عدد رقم 5 لسنة 2003
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
يعقوب يَنذر نَذراً   من سلسلة: مؤمنون في أماكن خاطئه

«وبكر يعقوب في الصباح وأخذ الحجر الذي
 وضعه تحت رأسه وأقامه عموداً،
 وصبّ زيتاً على رأسه. 
ودعا اسم ذلك المكان بيت إيل،
 ولكن اسم المدينة أولاً كان لوز».

رأينا في المرة السابقة الإشارة الأولى إلى «بيت إيل» والتي تعني: بيت الله.  والفكرة المتضمنة في بيت الله، والفرق بين بيت الله في العهد القديم وفي العهد الجديد، وأن الكنيسة هي بيت الله على الأرض في التدبير الحاضر.

وقد رأينا قبل ذلك الجانب الرمزي في حلم يعقوب أن السلّم يرمز للمسيح كالوسيط الوحيد بين الله والناس الذي وصل بالنعمة إلى الأرض.  وفي الحجر الذي وضعه يعقوب تحت رأسه رأينا المسيح المرفوض من العالم حيث بلغ الرفض ذروته في الصليب.  وفي المشهد الليلي نرى آلام المسيح وموته.  أما الآن فنرى يعقوب وقد بكّر في الصباح وأخذ الحجر الذي كان تحت رأسه وأقامه عموداً.  وفي هذا إشارة جميلة إلى قيامة المسيح.  فلقد قام في الصبح المنير فجلا ليل الدجى.  قام باكراً جداً، وصار باكورة الراقدين.  اسم المدينة أولاً كان «لوز» والتي تعني: ساهر أو متيقظ.  واللوز هو أول الأغصان التي تزهر.  وهو يذكرنا بعصا هارون التي أفرخت وأنضجت لوزاً.  وهي رمز معروف إلى قيامة المسيح.

«ثم صب زيتاً على رأسه».   وهذه أول إشارة للزيت في الكتاب المقدس.  والزيت هو رمز للروح القدس.  فبعد قيامة المسيح وصعوده إلى السماء أخذ الروح القدس وسكبه على المؤمنين يوم الخمسين ليكوِّن الكنيسة كبيت الله على الأرض.

ونحن نعلم أن «الروح القدس لم يكن قد أُعطيَ بعد لأن يسوع لم يكن قد مُجَّد بعد» (يو 39:7).  ولكي يتكون بيت الله على الأرض كان لا بد من أمرين أساسيين هما: قيامة المسيح وصعوده وجلوسه في المجد ثم نزول الروح القدس إلى الأرض.  أي أن هناك إنسان في السماء في عرش الله، والله (الروح القدس) على الأرض؛ هذا ما يميز التدبير الحاضر. 

ويشار في هذا الجزء -كما علّق أحد الأفاضل- إلى: «بيت»، و «عمود» وهما يرتبطان بالكنيسة: «بيت الله .. عمود الحق وقاعدته» (1تي 15:3).  والعمود يتكلم عن الشهادة لله في العالم.  نحن «كهنوت مقدس لتقديم ذبائح روحية مقبولة عند الله بيسوع المسيح» (1بط 5:2).  وهذا يرتبط ببيت الله.  ونحن «كهنوت ملوكي» لنخبر بفضائل الذي دعانا من الظلمة إلى نوره العجيب (1بط 9:2).  وهذا يرتبط بعمود الحق وقاعدته أي الشهادة العلنية أمام العالم.

(ثم صبّ زيتاً على رأسه )

هذه أول إشارة للزيت في الكتاب
والسامرية بعد أن عرفت الرب كالمخلص سألت عن السجود (وهو يرتبط بالكهنوت المقدس).  ثم مضت لتشهد عن الرب وتقول لأهل المدينة: «هلموا انظروا إنساناً قال لي كل ما فعلت.  أ لعل هذا هو المسيح؟» (وهذا يرتبط بالكهنوت الملوكي).


في الأعداد السابقة كان يعقوب تحت تأثير الرؤيا والمواعيد الثمينة، وقد نطق بأقوال حسنة وعمل عملاً حسناً.  لكنه سرعان ما عاد إلى طبيعته وشخصيته الأصلية وطريقة تفكيره الجسدية.  وهو درس مؤلم يجب أن نتعلمه عن أنفسنا.  فكم مرة تقابل الرب معنا من خلال اجتماع أو كتاب أو رسالة خاصة أو بمعاملات شخصية.  وكم مرة تكلم إلينا بوضوح وتأثرنا بذلك.  ولكن ماذا بعد ذلك؟ هل تغيرنا حقاً وهل دام التأثير معنا؟ أم أننا سريعاً ما نسينا هذه المقابلة وهذا الحديث، وعدنا إلى أسلوب حياتنا الجسدي دون الاستفادة المرجوة.  آه يا أعزائي ما أكثر ما نسمع في هذه الأيام وبالأسف ما أقل ما نتغير.  ونحتاج أن نتنبه أكثر إلى ما سمعنا لئلا نفوته.  ونقول مع المرنم:

علمني كيف أسمعك
وأصبر بالحق لك
  إرادتي أسلمك
نفسي لك تنتظر

لقد نذر يعقوب نذراً قائلاً: «إن كان الله معي، وحفظني في هذا الطريق الذي أنا سائر فيه، وأعطاني خبزاً لآكل وثياباً لألبس، ورجعت بسلام إلى بيت أبي، يكون الرب لي إلهاً.  وهذا الحجر .. يكون بين الله، وكل ما تعطيني فإني أُعشّره لك».

لقد رفض يعقوب مواعيد النعمة غير المشروطة، وأدخل نفسه طرفاً في القصة وبدأ يشترط على الله.  فالإنسان يرفض النعمة المجانية ويميل إلى مبدأ الأعمال ولا يقتنع بعجزه وفشله وعدم استحقاقه.  وهذا ما حدث في المسيحية التي تحولت عن إنجيل نعمة الله إلى مبدأ الناموس والأعمال والاستحقاق.

لكن هل ندم الرب وغضب على يعقوب؟كلا. إنه إله كل نعمة ..

رغم الإعلانات الثمينة التي نطق بها الرب ليعقوب، لكننا نجد يعقوب هو يعقوب.  ويجب أن نعرف أنه لا توجد نقلة فجائية ولا توجد قفزات في حياة المؤمن وإنما نمو تدريجي بطئ مع الأيام.

 وفي نذر يعقوب نرى تفاهة وضحالة تفكير الإنسان، ونرى أنه بطئ الفهم بما تكلم به الرب.  فبعد أن قال له الرب: «وها أنا معك (وليس سأكون معك)، وأحفظك حيثما تذهب ..»، نجده يقول: «إن كان الله معي، وحفظني في هذا الطريق ..».

    وبينما كان الرب يفكر بالخير الكثير ليعقوب ويحدثه عن الميراث الواسع والنسل الكثير وأن منه سيأتي المسيح، كانت أقصى أماني يعقوب أن يعطيه خبزاً ليأكل وثياباً ليلبس ويرجعه بسلام إلى بيت أبيه.

كان الابن الضال في الكورة البعيدة يفكر في الأَجرى الذين يفضل عنهم الخبز في بيت أبيه وهو يهلك جوعاً.  بينما كان الأب يفكر له في الحلة الأولى والخاتم والحذاء والعجل المسمن.  فيا لسمو أفكار الله من نحو الإنسان المسكين.

لقد قال الرب يسوع لتلاميذه: «لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون، ولا للجسد بما تلبسون.  الحياة أفضل من الطعام، والجسد أفضل من اللباس» (لو 22:12،23).  والذي أعطى الحياة سيعطي قوت الحياة، والذي أعطى الجسد سيعطي ما يكسو هذا الجسد.  والذي يكسو الزهور ويحيي الطيور، كيف ينسانا؟!

«إن كان .. يكون الرب لي إلهاً».  ويا للعجب! وحتى يتحقق كل هذا مَنْ هو إلهك؟ وهل عندك بديل أفضل من الرب تتخذه إلهك يا يعقوب؟

«وكل ما تعطيني فإني أعشّره لك».  لقد نذر ووعد بذلك لكنه لم ينفذ ونسي هذه الوعود.  الله التزم بما قال لكن يعقوب لم يلتزم.

ولكن هل ندم الرب وغضب على يعقوب؟ كلا.  إنه إله كل نعمة.  وهو يعرف الجميع ولا يُفاجئ بشيء في الإنسان.  إنه حصن وقدوس صبور، إنعامه كل الدهور.

أخيراً نرى مرة أخرى -كما أشار أحد الأفاضل- طابع العهد القديم مصوراً في هذه القصة كما يلي:

  1. الحلم: فالله كان يتكلم عن طريق الأحلام في كثير من الأحيان في العهد القديم.
  2. الملائكة: كان الله يتدخل بواسطة الملائكة كثيراً في العهد القديم.  حتى الناموس أعطي عن طريق الملائكة.
  3. البركات الأرضية: ميراث - نسل - بركة لجميع قبائل الأرض - حفظ وعناية في الطريق وتسديد الأعواز.
  4. روح الخوف: التي سيطرت على يعقوب عندما رأى الرب وشعر أنه في محضره.
  5. دُعي المكان: "بيت إيل"؛ وبيت الله في العهد القديم كان مكاناً محدداً.
  6. النذور.
  7. لعشور.

كل هذا يميز العهد القديم -عهد الظلال والرموز- أما الآن فإننا في أسمى فترة حيث نرتبط بالمسيح الرأس الممجد في الأعالي ويسكن فينا الروح القدس.   

(يتبع)   

شذرة
تَذكّر دائماً أن إله العصفور الخامس، هو نفسه إلهك الذي يحبك ويعتني بك ..

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com