عدد رقم 2 لسنة 2003
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
رحيل خادم أمين  

ومات صموئيل، فاجتمع جميع إسرائيل وندبوه ودفنوه في بيته في الرامة
(1صم 1:25)

لا شك أن شعب الرب كان يشعر بالخسارة الكبيرة لرحيل صموئيل، وهو الذي كان يصلي لأجلهم، ويقدم عنهم ذبيحة، ويعلمهم الطريق الصالح لكي يسيروا فيه، يتفقد أحوالهم ويعالج مشاكلهم.  وبنفس المشاعر ودَّع الإخوة في مصر خادماً أميناً وأخاً حبيباً وجندياً شجاعاً أعطى حياته لخدمة الرب وقطيعه لمدة حوالي نصف قرن.

لقد عرف الرب في شبابه وكرّس حياته لخدمته.  عاش مظهراً صفات السيد الذي قال: «تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب» فكان اسماً على مُسمَّى، لذلك تعلقت به كل القلوب.  كان قانعاً بالمكان الأخير.  قليلاً ما يتكلم، وإذا تكلم فيكون آخر المتكلمين.  ولكن عباراته وعَبَراته ونبراته وتأثيراته خالدة ولا يمكن أن تُنسى.  كان يُعلِّم الآخرين هذه الروح المتضعة.  وكانت نصيحته لكل مَنْ يخدم: "لا تبحث عن مكان الصدارة.  اقنع بالمكان الأخير.  لا تزاحم على الخدمات البارزة التي يُقبل عليها الكثيرون.  اتجه للخدمات المختفية.  لتكن كلماتك قليلة.   اخدم بكل تواضع.  اسحب نفسك بعيداً عن المشاكل فإن ثمر البر يُزرع في السلام.  بهذا تُصبح محبوباً ومقبولاً من الجميع".  وكان في ذلك خير قدوة للصغير والكبير.

لقد لمعت موهبته الفذة كمبشر، وكان له أسلوبه الخاص والمميز الذي تفرّد به من حيث مادة الخدمة وقوة التأثير.  كان يخدم بكل قلبه وعواطفه متفاعلاً مع الكلمة ومؤيداً وممسوحاً بالروح القدس بصورة استثنائية.  ولهذا فلا عجب أن نرى الانطباعات والتأثيرات التي تُترك في السامعين فيهتز كيانهم وتنساب دموعهم وتذوب قلوبهم.  لقد استخدمه الرب لربح نفوس الكثيرين في طول البلاد وعرضها.  فقد كانت له جولات وصولات في القرى والمدن، في المجامع والمؤتمرات.كان أخاً محباً ودوداً استراحت به أحشاء القديسين في أوساط الإخوة وغير الإخوة، وكان حلواً لهم جداً.  فتح قلبه وبيته للجميع وكان مضيفاً كريماً للقديسين.

كان شخصاً مصلياً من الطراز الأول يقضي الساعات الطويلة مع الرب وأحياناً كان يقضي الليل كله في الصلاة.  كان يحمل الإخوة بأثقالهم على قلبه في جميع البلدان ويتمخض بهم مُستجلياً المعونة والبركة لهم أفراداً وعائلات.  إنه نظير بولس الشيخ الذي قال: «عدا ما هو دون ذلك التراكم عليَّ كل يوم الاهتمام بجميع الكنائس.  مَنْ يضعف وأنا لا أضعف مَنْ يعثر وأنا لا ألتهب».

كان راعياً محباً أطعم القطيع وشدد وشجع نفوساً خائرة وحائرة وعاثرة.  لم يكف عن السؤال والافتقاد للإخوة أفراداً وعائلات في جميع الجهات.  حتى عندما أقعده المرض عن التجوال كان يفعل ذلك بالتليفون فيعرف أحوالهم ويعزي قلوبهم.  وبهذا القلب الرعوي الحنون كان قريباً من الشباب يتفهم احتياجاتهم ونفسياتهم ومشاكلهم، ويقدم لهم المعونة الروحية والمشورة الأبوية والتشجيع المتوازن.  وكان بركة لجيل كامل من الشباب الذين تأثروا به وتعلموا منه فصاروا خداماً يتحملون المسئولية في اجتماعاتهم.

كان رجل الكلمة الذي يقضي الساعات الطويلة يلهج في الأسفار المقدسة.  وفي فترة مرضه لم يكفّْ عن القراءة.  وقد زوّده الرب بذاكرة قوية حتى أنه في السنوات الأخيرة كان يحفظ أجزاءً مطولة وفصولاً عديدة من الكتاب يرددها عن ظهر قلب وقد استقرت في أعماقه. 

كان مثالاً للتضحية والعطاء، ليس من فضالته، بل حتى من أعوازه وأعواز أسرته، قدم مساعدات لأشخاص أو عائلات تعرضت لمواقف طارئة.  وقد فعل ذلك بكل محبة.  وأمام كرسي المسيح ستظهر كل الخدمات الخفية التي ستنال مديح السيد نفسه ورضاه.

كان أباً في بيت ناجح ومقدس للرب.  وقد أكرمه الرب بأربع بنات وثلاثة بنين جميعهم في الإيمان وأحدهم خادم للرب.  وكانت هذه شهوة قلبه.

كان مثمراً في شيبته وشيخوخته حيث بلغ الثمانين من العمر، لكنه مثل كالب بن يفنة الذي قال ليشوع: «ها أنا اليوم ابن خمس وثمانين سنة فلم أزل اليوم متشدداً كما في يوم أرسلني موسى.  كما كانت قوتي حينئذ هكذا قوتي الآن للحرب وللخروج وللدخول» (يش 10:14، 11).  وإن كان إنسانه الخارج يفنى فالداخل كان يتجدد يوماً فيوماً.
كان بطلاً في الصبر واحتمال التجربة لسنوات مرضه الطويل والثقيل وكان شاكراً على الدوام.  لقد أقعده المرض عن الخدمة وحتى عن حضور الاجتماعات، لكن قلبه كان مع الإخوة ويتابع أحوال الاجتماعات.  وكان وهو في بيته يسمع ما يدور في الاجتماع من خلال سماعة عُملتْ خصيصاً لهذا الغرض حتى يسمع الخدمات وهو في البيت.  وكان كل مَنْ يزوره بعد الاجتماع في حدائق شبرا، يفاجئ به يردد ذات العبارات التي قيلت في الخدمة في الاجتماع مع تعليقاته الرقيقة والمشجعة.

وإن كنا لا نستطيع في هذه الكلمات القليلة أن نوفي الرجل حقه، فهو أكبر من الكلمات، في الحديث عن محبته وخدمته وإنكاره لذاته وتضحياته من أجل الرب وقطيع الرب، لكننا نثق أن الله ليس بظالم حتى ينسى عمل وتعب الأخ المحبوب الذي تعب كثيراً في الرب وخدم سيده وخدم القديسين بكل أمانة.  وكما قال السيد: «إن كان أحد يخدمني يكرمه الآب».

إننا نذكره كأحد المرشدين الذين كلمونا بكلمة الله، ونعتز به كأحد الآباء القليلين، وننظر إلى نهاية سيرته فنتمثل بإيمانه. وأمام كرسي المسيح سيلمع الأخ الحبيب وينال المدح والإكرام الحقيقي من الرب نفسه.

وفي مشهد وداعه المهيب تجمع حشد كبير من المشيعين الذين توافدوا من جميع أنحاء البلاد مع جميع خدام الرب ونخبة من المرنمين الأفاضل.  وكان هذا شاهداً على ما في قلوبهم من محبة صادقة وتقدير ووفاء نحو الراحل الكريم، وما أصابهم من حزن على فراقه.

لقد وصل إلى المجد في كرامة وهيبة إذ حملته الملائكة إلى الفردوس، وحمل جثمانه رجال أتقياء وعملوا عليه مناحة عظيمة.

إن تعزيتنا عن رحيل هذا البطل أنه قد استراح من أتعابه وأنينه وثقل مرضه.  لقد تغرّب عن الجسد الترابي الوضيع ليستوطن عند الرب.  انطلق ليكون مع المسيح وذاك أفضل جداً.  وهناك، بعيداً عن كل ما يعكر أو يكدر، يشدو بسبح أعظم لمن أحبه ومات لأجله.

ونحن على يقين أن الفراق لن يطول وكل ما حولنا يشهد بأنه بعد قليل جداً جداً سيأتي الآتي ولا يبطئ.  وسيجمعنا قريباً ذلك الاجتماع الأبدي الرائع، وهكذا نكون كل حين مع الرب.

«آمين تعال أيها الرب يسوع»

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com