عدد رقم 2 لسنة 2020
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
علم الآثار ومصداقية روايات الأناجيل  

في هذه المقالة نواصل استعراض شهادة علم الآثار لأحداث وتاريخ الكتاب المقدس. هنا سوف نذكر بعض الاكتشافات الأثرية، وشهادتها لشخصيات، ولأحداث ومواقع ورد ذكرها في الإنجيل.  هلم إلى جولة في هذا الموضوع الذي بحث ويبحث فيه الكثيرون بكثرة في أيامنا هذه.

(1) شهادات المدن:

أ - مدن قائمة: هناك مدن لا تزال قائمة في مواقعها القديمة وتحمل ذات الأسماء الإنجيلية حتى اليوم مثل: الناصرة، أريحا، صور، بيت لحم وغيرها.

ب - مدن مندثرة: لقد كشفت الحفريات الكثير من آثار المدن التي اندثرت مثل كفر ناحوم (مت8: 5)، كورزين (لو10: 13)، بيت صيدا (مر6: 45)، عمواس (لو24: 13)، وغيرها.

(2) شهادات مواقع خاصة:

تشهد الاكتشافات الأثرية لمواقع محدّدة مذكورة في الأناجيل، هذا بعضها:

أ - أظهرت الحفريّات في محطات ”درب الصليب في القدس مكان القاعة التي حوكم فيها الرب يسوع وكانت تسمّى ”جباثا“ أو ”البلاط“ (يو19: 13)، الذي كان في قلعة أنطونيا، وهو مقرّ قيادة الجيش الرّوماني في أورشليم، بعد أن كان قد اندثر بعد إعادة بناء المدينة في زمن القيصر هدريانوس.

ب - بركة بيت حسدا: وجد علماء الآثار بقاياها في عام 1888م. بجانب كنيسة ”القدّيسة حَنَّة“ في الحي الإسلامي، داخل أسوار القدس القديمة.كان وصف الإنجيل أن لها خمسة أروقة، مثيرًا للتساؤل، لكن اُكتشف أن هناك بركتين متلاصقتين والرواق الخامس هو الفاصل بينهما، فحُلّت المشكلة من خلال آثار البركة (يو5: 2).

ج - بركة سلوام: في القرن الثامن ق.م. قام حزقيا ملك يهوذا، بحفر قناة في جنوب أورشليم، من نبع جيحون وعلى طولها نحو533 م من الأرض الصخرية، وذلك لكي ينقل المياه الى داخل أسوار مدينة أورشليم، وكانت تصب في بركة سلوام (نح3: 15).  إنها البركة التي أرسل المسيح الرجل الأعمى إليها لكي يغسل عينيه بمائها فأطاع وعاد إليه بصره (يو9: 7)، وهي موجودة في قرية سلوان جنوبي أسوار المدينة.

(3) شهادات من المدافن:

أ - تابوت قيافا: في تسعينيات القرن الماضي تمّ العثور على صناديق عظام من الحجر الجيري في مغارة دفن لعائلة قيافا في القدس.  وكالعادة كان يُكتب اسم الميت على كل تابوت. وُجد على أحدها بالآرامية ”يهوسِف بار(ابن) قيفا“، وهو ”يوسف قيافا“ رئيس الكهنة، الذي مثل أمامه الرب يسوع للمحاكمة (مت26: 3، 57).

ب - عقوبة الصلب: في سنة 1968 اكتُشف في ضواحي القدس صندوق عظام كُتب عليه من الخارج ”يهوحنان ابن حجقول“.  كان هذا شخصًا واجة عقوبة الصلب وهو في العشرينيات من عمره.  بقي مسمار الصلب في عقب رِجله اليمنى، وقد كُسِرَت رجليه إثر ضرب قوي، تمامًا كما مكتوب عما كان يفعله الرّومان وقت الصّلب (يو19: 31، 32)، ممّا يؤكد وصف واستخدام الصّلب في العهد الجديد.

ج - أبواب القبور الحجرية: يذكر لنا الإنجيل أن «زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ حَدَثَتْ، لأَنَّ مَلاَكَ الرَّبِّ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ وَجَاءَ وَدَحْرَجَ الْحَجَرَ عَنِ الْبَابِ (باب القبر الذي وُضع فيه يسوع)،وَجَلَسَ عَلَيْهِ» (مت28: 2). لقد أُكْتُشِفَ العديد من القبور تعود إلى تلك الحقبة في مدينة أورشليم، وما يزال البعض منها مغلقًا بالحجارة الأسطوانية الكبيرة التي يمكن دحرجتها.

(4) شهادات آثار المدن:

أ - كفرناحوم: بعدما رُفِضَ المسيح في الناصرة التي تربّى فيها، سكن في كفرناحوم. وفي الحفريات الواسعة في آثار كفرناحوم، وجد علماء الآثار بيتًا مُكوَّنًا من غرفة تعود للقرن الأول الميلادي، يطلقون عليها اسم ”بيت بطرس“ (مر1: 29).  وقد عُثر في أرضيته على صنارة سمك وأسرجة. يظهر أن البيت كان مقرًا للكنيسة الأولى، إذ حوله بناء كنيسة بيتية أوسع، ومثمّنة الشكل، والتي استُخدمت ككنيسة في القرون التالية.  وعلى مقربة منه لا يزال ينتصب مجمع (كنيس) يعود للقرنين 4-5 م.  وكشفت الحفريات تحته عن أجزاء من أرضية وجدار المجمع الذي بناه قائد المائة في كفرناحوم(لو7: 5)، وعلَّم فيه الرب يسوع.

ب - طبرية: بناها هيرودس أنتيباس بين السنوات 18-20 م.  وشيد فيها القصور الجميلة والمسارح الفخمة، والهياكل والحمامات العامة، ودعاها طبرية على اسم طيباريوس قيصر (يو6: 23).  وقد اكتُشف باب المدينة الذي يعود إلى العصر الروماني، وعُثر على بعضًا لآثار رومانية مثل أعمدة من الرخام، وعلى نقود للمدينة تحمل أسماء قياصرة مثل طيباريوس وكلوديوس وغيرهما.

ج - الناصرة: تشكّك النقاد لفترة طويلة بالنسبة لوجود الناصرة في زمن المسيح، بسبب عدم ذكرها في العهد القديم وفي الكتابات التلمودية.  ودُحضت هذه الشكوك باكتشاف آثار بيوت تعود للقرن الأول للميلاد، وعثر فيها على أدوات فخارية ولوحة من العهد الروماني منقوش عليها ”بأمر أغسطس (قيصر)“.

من المكتشفات أيضًا معصرة عنب صخرية، محجر قديم، ثلاثة أبراج نواطير(للحراسة)من العصر الروماني، وهي موجودة اليوم داخل مشروع سياحي نموذجي يدعى ”قرية الناصرة“.  في الوقت الحاضر يتّفق جميع الباحثين أن الناصرة كانت قائمة كقرية صغيرة في زمن المسيح.

د - بيت صيدا: عثر العلماء حديثًا على آثار في شمال بحيرة طبريا، منها فسيفساء وحمام روماني. وفي تقديرهم أنه في هذا الموقع توجد آثار مدينة بيت صيدا المذكورة في العهد الجديد والتي توسّعت وصارت تدعى ”يولياس“.

ه - المجدل: وهي مسقط رأس ”مريم المجدلية“، كانت ميناءً كبيرًا على الشاطئ الغربي لبحر الجليل، ومركزًا للتجارة وتصدير الأسماك المملّحة.  اكتُشف فيها مجمع من القرن الميلادي الأول، وبرك تطهير طقسية يهودية مميّزة.

(5) شهادات من اللوحات الحجرية:

أ – اُكتشفت كتابة باللاتينية في المسرح القديم لمدينة قيصرية تذكر القيصر طيباريوس وبيلاطس البنطي والي اليهودية في زمن المسيح.

ب - نقش الناصرة: هي كتابة باللغة اليونانية على لوحة رخامية، ويُعتقد أنها تعود لعهد ”كلوديوس قيصر“ (41-54 م).نقرأ في النقش مرسوم القيصر الروماني الذي ينص على تطبيق عقوبة الإعدام على كل من يعبث بالقبور فيسرق أو ينقل جسد ميت من قبره. قد يكون هذا رد فعل على أحداث قيامة المسيح، إذ بعد أن وجدوا القبر فارغًا، تآمر الشيوخ ورشوا العسكر واعدين إياهم بالتدخل لصالحهم لدى الوالي (مت28: 13، 14). يذكر المرسوم أيضًا عدم تحريك الحجر المختوم المُغلِق للقبر، كما نقرأ في الإنجيل (مت27: 66).

بقي أن نقول إنّ علم الآثار يقدّم شهادة خارجية حياديّة وهامة لأحداث وأماكن وشخصيات، مرّ عليها أكثر من ألفي عام.  من ناحية، لا يحتاج إيماننا القلبي لدليل أثري، لكن ما قدمناه هو دليل خارجي قوي يدحض أقوال كل المتشككين والمهاجمين.


 

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com