عدد رقم 3 لسنة 2018
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
المواهب التأسيسية والمواهب التكميلية  

الفرق بين أيام الكنيسة الأولى والأيام الأخيرة          

رأينا في أعداد سابقة، ونحن نتكلم عن تاريخ الكنيسة النبوي، أننا قد وصلنا إلى الدور السابع والأخير، وهو لاودكية، حيث يسود الفشل والفتور والضعف، والتحول عن المسيح وكلمته، والاعتداد بالذات، وكيف أن سراج الله على وشك أن ينطفئ.  ولا شك أن هذا عكس ما كان أثناء العصر الرسولي في بداية تكوين الكنيسة، حيث كان الطابع العام هو القوة والمجد والنجاح المبهر والأعمال الخارقة المصاحبة لانسكاب الروح القدس على الأرض في يوم الخمسين.

   وقد يلتبس الأمر على البعض ويتساءلون: كيف نتكلَّم عن ضعف الشهادة، والسفينة التي تنحل من عنف الأمواج، وسراج الله الذي كاد أن ينطفئ، والارتداد عن الحق، ونحن نرى الآلاف يأتون من المشارق والمغارب ويرجعون إلى الرب، ورسالة الإنجيل تصل إلى كل العالم، وإلى معقل الشيطان، وتأتي بقدِّيسين من بيت قيصر؟ وكيف نتكلَّم عن «القوة اليسيرة»، و«يوم الأمور الصغيرة»، ونحن نشاهد على الفضائيات القوات والآيات التي تُجرَى بواسطة أشخاص موهوبين، وكأن بطرس الرسول قد عاد إلى المشهد ليقول للأعرج: «قُم وامش»، فيقوم ويمشي؟

ثم إن عشرات الألوف يرفعون التضرعات لأجل مصر وأفريقيا والعالم كله ليرجع إلى الرب؟!  وبالتأكيد أن هذا سيحدث قبل مجيء المسيح.  وليس ذلك فقط بل إننا نرى بشائر اتحاد الطوائف المسيحية من كل الكنائس في أيام الحصاد والأعداد المهولة التي ترجع إلى الرب.  فما بالكم متشائمين هكذا، وكيف لا إيمان لكم؟! هل تغيَّر الروح القدس وما عاد يعمل كما كان في عصر الكنيسة الأولى؟ ألم يقل بولس: إن «يسوع المسيح هو هو أمسًا واليوم وإلى الأبد» (عب13: 8).  

   كل هذا يمكن أن نراه ونسمعه، ولكن هل هذا ما قاله الكتاب عن طابع الأيام الأخيرة؟ وهل حقًا لا فرق بين أيام الكنيسة الأولى وبين الأيام الأخيرة للمسيحية الآن؟ إن المرجعية الوحيدة لنا لكي لا نُحمَل بكل ريح تعليم هي كلمة الله، كما قال بطرس: «وعندنا الكلمة النبوية وهي أثبت، التي تفعلون حَسَنًا إنْ انتبهتم إليها، كما إلى سراج منير في موضع مُظلم» (2بط 19:1).  وعلينا أن نمتحن كل شيء في ضوء «ماذا يقول الكتاب»؟ و«هل هذه الأمور هكذا»؟ بهذا نعيش على أرض الواقع، ولا تحملُنا الأوهام إلى أرض الأحلام، بل نتمسَّك بالإعلان الذي يحفظنا من البُطل والعيان.  خاصة أن الأكثرية الآن تميل إلى نغمة القوة والإبهار، وتعتمد على الشعور والاختبار، وترفض كلمة الله كالمنار.

   لقد ميَّز الرب الكنيسة في بداية تكوينها بمواهب معجزية تأسيسية خاصة، وآيات وقوات وعجائب صاحبت العصر الرسولي، بهدف تثبيت الشهادة الكنسية باعتبارها شيء جديد كليةً بعد تنحية إسرائيل، وتثبيت الكلام، حيث لم يكن الكتاب قد اكتمل، بل كان وحيًا شفويًا على فم الرسل.  هذه المواهب أعطاها الروح القدس حسب إرادته للمؤمنين في هذا العصر، وذكرها الرسول للمؤمنين في كورنثوس قائلاً: «لواحد يُعطَى بالروح كلام حكمة، ولآخر كلام علم ... ولآخر مواهب شفاء ... ولآخر عمل قوات، ولآخر نبوة، ولآخر تمييز الأرواح، ولآخر أنواع ألسنة، ولآخر ترجمة ألسنة ... فوضع الله أناسًا في الكنيسة: أولاً رسلاً، ثانيًا أنبياء، ثالثًا معلمين، ثم قوات، وبعد ذلك مواهب شفاء، أعوانًا، تدابير، وأنواع ألسنة» (1كو12: 8 – 28).

   بينما يذكر في رومية المواهب الأساسية التكميلية التي أعطاها الله لبنيان الجسد وفائدته، وتستمر مع الكنيسة في كل عصورها حتى النهاية، ولا يشير إلى المواهب المعجزية التأسيسية فيقول: «ولكن لنا مواهب مختلفة بحسب النعمة المُعطاة لنا: أنبوة فبالنسبة إلى الإيمان، (والنبوة هنا هي إعلان فكر الله في المكتوب، واستحضار الله أمام الضمائر، والضمائر أمام الله.  ومن يفعل ذلك يفعله طبقًا لإيمانه الشخصي وتدريبه الروحي)، أم خدمة ففي الخدمة، أم المعلم ففي التعليم، أم الواعظ ففي الوعظ، المُعطي فبسخاء، المُدبر فباجتهاد، الراحم فبسرور» (رو12: 6 – 8).

   أما في أفسس، وهي الرسالة التي تتكلم عن مركز الكنيسة وامتيازاتها بحسب مقاصد الله، وعلاقتها بالمسيح الرأس، فينسب المواهب إلى المسيح الذي صعد إلى العلاء، وأعطى عطايا للكنيسة التي هي جسده من بدايتها إلى لحظة الاختطاف.  وهذه العطايا تتمثل في أشخاص موهوبين «البعض رسلاً، والبعض أنبياء، والبعض مبشرين، والبعض رعاة ومعلمين» (أف4: 8 – 11).  هذه هي المواهب الأساسية التكميلية (أي لأجل تكميل القديسين) والتي تظل مع الكنيسة للنهاية، ولم يُشر مطلقًا إلى المواهب المعجزية التأسيسية التي كانت في البداية.  فالرسل والأنبياء هم كتبة الوحي وقد وضعوا الأساس لتُبنى الكنيسة عليه، وما كتبوه بالوحي، مسوقين من الروح القدس، باقٍ مع الكنيسة طوال رحلتها إلى لحظة الاختطاف.  ثم يستمر مع الكنيسة: المبشرون والرعاة والمعلمون، وهي المواهب التي تحتاجها الكنيسة عبر كل العصور.  فالمبشر يقدم رسالة الإنجيل للنفوس البعيدة ويدعوهم للتوبة والإيمان بشخص المسيح وعمل صليبه.  والروح القدس يضم إلى الكنيسة الذين يخلصون.  إنه يفصلهم عن محجر العالم ويضعهم كحجارة حية في بيت الله.  والراعي يهتم بأحوال القطيع بإخلاص، يسأل عنهم ويفتقدهم، يطعمهم ويشجعهم ويحملهم على قلبه، يحل مشاكلهم ويتابع ظروفهم.  إنه يقوي المريض، ويعصب المجروح، ويجبر المكسور، ويسترد المطرود، ويطلب الضال.  والمُعلم يُفصِّل كلمة الحق بالاستقامة، ويشرح كل جزء من كلمة الله في مكانه، ويربط أجزاء الكتاب معًا، ويدافع عن الحق ويثبت القديسين ويحصنهم ضد التعاليم الغريبة.  ويوضح الرسول هدف هذه المواهب قائلاً: «لأجل تكميل القديسين لعمل الخدمة، لبنيان جسد المسيح، إلى أن ننتهي جميعنا إلى وحدانية الإيمان ومعرفة ابن الله، إلى إنسان كامل، إلى قياس قامة ملء المسيح.  كي لا نكون فيما بعد أطفالاً مضطربين ومحمولين بكل ريح تعليم، بحيلة الناس، بمكر إلى مكيدة الضلال» (أف4: 12 – 14).

    وهكذا نرى أن الفترة التأسيسية في بداية تكوين الكنيسة كانت تحتاج إلى المواهب المعجزية لتثبيت الشهادة، أما وقد استقرت وتثبتت واكتمل الوحي، فليست هناك حاجة إلى هذه المواهب المعجزية، ولكن الحاجة المستمرة هي إلى المواهب التكميلية حتى مجيء الرب. 

    وهذا ليس جديدًا، بل نفس الشيء نجده في العهد القديم.  ففي أيام موسى، تدخَّل الله بقوات وآيات وعجائب لكي يُخلِّص شعبه من أرض مصر.  هذه الآيات أُجريتْ في مصر وفي البحر الأحمر وفي البرية لمدة أربعين سنة.  وكانت هذه أول آيات في تاريخ البشرية، حيث كان الله عتيدًا أن يؤسِّس علاقة جديدة مع شعبه على أساس الفداء، ويؤسس شهادة جديدة له من خلال شعبه إسرائيل.  وبعد موسى جاء يشوع الذي عبَّر الشعب في نهر الأردن وأدخلهم أرض كنعان، وكان مُؤيَّدًا أيضًا بقوات وآيات معجزية.  لكننا لا نقرأ بعد ذلك عن آيات أو قوات حتى جاء إيليا وبعده أليشع، مُؤَيَّدَيْن بقوات وآيات معجزية في بداية مرحلة جديدة هي عصر الأنبياء عندما فشل الملوك.  والله قد ثبَّت وأيَّد هذه الشهادة الجديدة بواسطة الآيات التي صاحبتهم.  ثم  توقفتْ الآيات المعجزية حتى جاء المسيح مُؤيدًا بقوات وآيات لم يعملْها أحدٌ غيره، حيث قيل عنه: «كبف مسحه الله بالروح القدس والقوة، الذي جال يصنع خيرًا ويشفي جميع المتسلط عليهم إبليس» (أع10: 38). في بداية جديدة وإعلان جديد.  ومن بعده جاء الرُّسل الذين تأيدوا أيضًا بقوات وآيات تابعتهم في فترة تأسيس الكنيسة.  فقد أرسلهم الرب بعد قيامته ليذهبوا إلى العالم أجمع ويكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها.  وأيدهم بآيات معجزية تتبعهم قائلاً: «وهذه الآيات تتبع المؤمنين (ليس جميع المؤمنين في كل عصور الكنيسة، بل المؤمنين في هذا العصر المصاحب لتأسيس الكنيسة)، يخرجون الشياطين باسمي، ويتكلمون بألسنة جديدة، يحملون حيات، وإن شربوا شيئًا مميتًا لا يضرهم، ويضعون أيديهم على المرضى فيبرأون» (مر16: 17، 18).  وكان «الرب يعمل معهم ويُثبِّت الكلام بالآيات التابعة» (مر16: 20).  هذا هو الغرض من الآيات في تلك الفترة التأسيسية، حيث لم يكن الوحي قد اكتمل في كتاب مُعترَف به، بل كان وحيًا شفويًا على فم الرسل.  وقرب نهاية العصر الرسولي، كتب الرسول إلى العبرانيين قائلاً: «كيف ننجو نحن إن أهملنا خلاصًا هذا مقداره؟ قد ابتدأ الرب بالتكلم به (عندما كان بالجسد على الأرض)، ثم تثبَّت لنا من الذين سمعوا (الرسل) شاهدًا الله معهم بآيات وعجائب وقوات متنوعة ومواهب الروح القدس حسب إرادته» (عب2: 3، 4).  وعندما تثبَّت الكلام ما عاد هناك احتياج للآيات المعجزية.

   ومن أوضح النصوص الكتابية على ذلك ما قاله بولس عن «الألسنة» في رسالة كورنثوس الأولى (وهي إحدى المواهب المعجزية التأسيسية في العصر الرسولي): «المحبة لا تسقط أبدًا.  وأما النبوات فستُبطَل، والألسنة فستَنتهي، والعِلم فسيُبطَل.  لأننا نعلم بعض العلم ونتنبأ بعض التنبؤ.  ولكن متى جاء الكامل فحينئذ يُبطَل ما هو بعض (العلم والتنبؤ)» (1كو13: 8 – 10).  فبينما يشير إلى أن التنبؤ (الوعظ والتعليم وإعلان فكر الله في المكتوب)، والعِلم (المعرفة الكتابية المحدودة) ستُبطَل بمجيء الكامل والوصول إلى حالة الكمال عند مجيء الرب، أكد أن الألسنة ستنتهي من تلقاء ذاتها، وليس ستُبطَل بمجيء الكامل، بل ستنتهي هي بانتهاء الغرض منها، ولن تظل إلى مجيء الرب.

   وهذه هي الفترات الثلاث في كل تاريخ البشرية التي نقرأ فيها عن ظهور الآيات في كل الكتاب. 

وللحديث بقية إذا شاء الرب


 

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com