عدد رقم 5 لسنة 2017
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
«اُهْرُبْ (اسرع) يَا حَبِيبِي»  

(نش8: 14)
لم يستغرق الزلزال الذي ضرب شرق أمريكا، عام 1989، سوى أربع دقائق فقط، ولكن لكون قوته زادت عن 6 درجات على قياس ريختر، فقد أدى إلى تدمير العديد من المنازل والأبنية، بسبب الانهيارات الأرضية التي ساعدت على حدوثها الأمطار الغزيرة التي كانت تحاصر المناطق المنكوبة منذ عدة أيام.  وأودى الزلزال بحياة ما يقرب من الثلاثين ألفًا، فضلاً عن الآلاف الذين أصيبوا إصابات بالغة. وأدى تصدع المباني وانقطاع التيار الكهربائي، وخروج القطارات عن مسارها، إلى إصابة سكان المنطقة بحالة من الفزع والرعب، ونزل الجميع إلى الشوارع خوفًا من انهيار منازلهم.

 

وبعد مرور هذه الدقائق المخيفة، ركض أحد الآباء إلى مدرسة ابتدائية لكي ينقذ ابنه ”أرمان“. وحالما وصل وجد أن المبنى قد انهار وتساوى بالأرض.

وإذ تطلع الأب إلى أكوام الحجارة والأتربة والكتل الخرسانية، تذكر وعدًا قدّمه لابنه، أنه مهما حدث فسوف يكون هو بجانبه هناك لمعونته وطمأنته.  ودفعه هذا الوعد أن يقترب من مكان فصل ابنه، وبدأ يرفع الأنقاض ويزيح الركام جانبًا في محاولة لإنقاذ ابنه.

وصل آباء آخرون ينتحبون ويصرخون ويولولون من أجل أولادهم، وقالوا له إن الوقت متأخر ولا فائدة لأنهم جميعًا أمواتًا تحت الأنقاض.  وحتى رجال البوليس والإنقاذ حاولوا أن يثنوه عن عزمه في مواصلة الحفر ورفع الأنقاض، وشجعوه على قبول الأمر الواقع والاستسلام.

رفض الأب، واستمر يحفر وسط الحطام، في محاولة للوصول إلى مكان فصل ابنه تحت الركام.  ومضت ثماني ساعات، ثم ست عشرة ساعة، ثم ستٌ وثلاثون ساعة.  تجرَّحت وتقرَّحت يداه ورجلاه، وعلاه الغبار والتراب، وأُنهكت قواه وذهبت عنه طاقته.  لكنه استمر ولم يبرح المكان.  وكلما استطاع أن يرفع حجرًا كبيرًا أو كتلة خرسانية تؤدي إلى تجويف أو فراغ بين الحطام والأنقاض، كان يصرخ مناديًا باسم ابنه: ”أرمان ... أرمااااان“.  ولكن لم يكن صوتٌ ولا مُجيبٌ ولا مُصغٍ.

 وأخيرًا، وبعد ثمانٍ وثلاثين ساعة من الأسى الشديد والمعاناة الرهيبة، رفع الأب حجرًا كبيرًا يؤدي إلى فراغ كبير بين الأنقاض، وإذ به يسمع صوت ابنه، فناداه: ”أرمان ... أرمان“.  فأجابه الصوت: ”هأنذا يا أبي“.  وبصوت متهدج اختلطت فيه دموع الفرح بنبرة الامتنان والعرفان للأب المُحبّ الذي جاء ليتمم وعده، أضاف الولد هذه الكلمات الثمينة:

”أبي ... أخيرًا جئت ... لقد كنت أنتظرك ... كنت متأكدًا أنك ستأتي إليَّ، ذلك لأنك وعدتني أنه مهما حدث ليَّ فسوف تكون بجانبي ... لقد قلت لزملائي الآخرين المُحتجزين معي تحت الأنقاض أن لا يهتموا، فطالما أنت حيٌّ فسوف تنقذني، وعندما تنقذني سوف تنقذهم أيضًا معي ... أبي ... أشكرك ... أحبك ... كم أنا سعيدٌ أن لي أبًا مثلك ... أحبك يا أبي ... أحبك“.

أيها الأحباء: لقد أعطانا الرب يسوع المسيح هذا الوعد: «آتِي أَيْضًا وَآخُذُكُمْ إِلَيَّ، حَتَّى حَيْثُ أَكُونُ أَنَا تَكُونُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا» (يو14: 3)، ويُطمئنا أن «الَّذِي وَعَدَ هُوَ أَمِينٌ» (عب10: 23)، وهو لا ينسى قط ما وعد به عروسه وأعضاء جسده.

ربما يتزلزل العالم، وتهتز الأرض، وتنهال الصخور، ويصبح كل ما حولنا، ركامًا وأنقاضًا وحطامًا؛ أدبيًا وروحيًا، سياسيًا واقتصاديًا.  فالزمان صعب ... والإثم يتزايد ... مبادئ الارتداد تزداد قوة وتأثيرًا ... وهوذا «كرب أمم بحَيرة» و«حروب وأخبار حروب» و«مجاعات وأوبئة وزلازل في أماكن» و«الناس يغشى عليهم من خوف وانتظار ما يأتي على المسكونة» ... الفوضى سائدة في كل مكان. ... والناس قائمون ضد القوانين والأنظمة ... الثورات والاضطرابات في جميع الأنحاء ... والشرور تزداد بلا خجل ولا حياء ... الكُفر والإلحاد والفجور والإباحية تنتشر ... كل القيم الروحية تُهدم ... والأشرار يتقدمون «إِلَى أَكْثَرِ فُجُورٍ» (2تي2: 16) وأيضًا «إِلَى أَرْدَأَ» (2تي3: 13)، وأمواج الظروف المعاكسة والتجارب تحيط بنا وتظهر وكأنها تريد ابتلاعنا ... فنحن في «الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ» و«الأَزْمِنَة الصَعْبَةٌ» (2تي3: 1).  ولكن يا ليت كلمات الرب الأخيرة العزيزة تملأ قلوبنا وتشع فيها قوة وسلامًا وصبرًا وفرحًا: «آتِي أَيْضًا وَآخُذُكُمْ إِلَيَّ» (يو14: 3).

نعم، إن ربنا يسوع المسيح آتٍ من الأعالي ليأخذنا إليه من وسط كل هذا الحطام وكل هذه الخرائب والأنقاض.  وهو - تبارك اسمه - يشتاق إلى تلك اللحظة التي فيها تُحضَر العروس إليه.  والذي جلس في يمين الله طيلة مدة وجود الكنيسة على الأرض، لا ينسى قط وعده وموعد مجيئه.  فما أحرانا أن نرقب مجيئه عالمين أن خلاصنا الآن أقرب مما كان حين آمنا.  قد تناهى الليل وتقارب النهار (رو13: 11-14).  ويقينًا أننا الآن في آخر لحظات الليل، وبعد قليل جدًا سيبزغ «كوكب الصبح المنير»، فشدة الظلام تنبئ بقرب بزوغ الفجر.  ونجاتنا تقترب جدًا.  وفي انتظارنا لمجيئه القريب لنكون معه كل حين (1تس4: 17)، لترتفع قلوبنا وأنظارنا عن مشهد الخراب والأنقاض هذا، ولتتشدد سواعدنا لنكون أمناء حتى النهاية، وليكن لهجنا المستمر ولغة القلب قبل الفم:

يا سيدنا المعبود الكريم ... لك ولمجيئك انتظارنا ...

     «وأنتَ قد قُلتَ» (تك32: 12)،

          «آتي أيضًا وآخذكم إليَّ» (يو14: 3)

               «افعَل كما نَطقتَ» (2صم7: 25؛ 1أخ17: 23)

                    وتعال سريعًا (رؤ3: 11؛ 22: 7، 12، 20)

                         ربنا عجِّل بهذا اليوم ...

                               «اُهْرُبْ (أسرع) يَا حَبِيبِي» (نش8: 14) ...

                                   إننا ننتظرك ...

 

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com