عدد رقم 4 لسنة 2017
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
كنيسة فيلادلفيا (2)(رؤ3: 9 – 13)  

القرن الثامن عشر والتاسع عشر

    رأينا فيما سبق الصفات الأدبية التي حظيت بسرور الرب وإعجابه في فيلادلفيا.

يلي ذلك الوعود للفيلادلفي الحقيقي:

أولاً: في المحيط الكنسي: «هنذا أجعل الذين من مجمع الشيطان، من القائلين إنهم يهودٌ وليسوا يهودًا، بل يكذبون.  هنذا أصيرهم يأتون ويسجدون أمام رجليك، ويعرفون أني أنا أحببتك» (رؤ3: 9).  من هم الذين يدَّعون أنهم يهود؟ لا شك أنهم أولئك الذين أنشأوا ديانتهم على الفرائض والطقوس وليس على المسيح، أولئك الذين تحكمهم التقاليد وليس كلمة الله، أولئك الذين ادعوا بحقهم في الخلافة لدين زعموا أنه من الله، وادعوا الخلافة الرسولية من بطرس رسول الختان، وأنهم هم الكنيسة الأصلية التي أسسها الله.  ليس أنهم يقولون بالكلام إنهم يهود، بل يفعلون ذلك في الواقع.  إنهم يسيرون على نهج الطقوس والفرائض اليهودية في الرتب الكهنوتية، والثياب الكهنوتية، والهيكل والمذبح والذبيحة المتكررة، والبخور، والممارسات والشعائر، والسلطة الدينية وتقديس أماكن بعينها.  لقد كان هؤلاء على الدوام المضطهدين النشطاء لأولئك الذين رفضوا التقاليد الكنسية المتداولة، ورفضوا تهويد المسيحية، وسعوا لكي يجدوا الإرشاد فقط في كلمة الله.  ولما لم يعد بوسعهم إثارة الاضطهادات ضدهم، عاملوهم بازدراء واحتقار وسخروا منهم ومن التعليم الذي نادوا به.  هذا التعليم المرتبط بكفاية ذبيحة المسيح الواحدة في الجلجثة، ورئيس الكهنة العظيم الذي في السماء، والشفيع الوحيد عند الآب، والبيت الروحي الذي يضم جميع المؤمنين، وكذلك كهنوت جميع المؤمنين لتقديم الذبائح الروحية، ورئاسة الرب وقيادة الروح القدس لجميع أعضاء الجسد في اجتماع الكنيسة، والحقائق الخاصة بالتبرير والغفران والخلاص على أساس الإيمان القلبي بعمل المسيح في الصليب، ورجاء الكنيسة السماوي حيث تنتظر مجيء المسيح كالعريس لاختطافها، والفرق بين إسرائيل والكنيسة، وتباين التدابير، والملك الألفي في العالم العتيد، والتعليم الرمزي في كلمة الله.  كل هذه الحقائق وأكثر قد وصل إلى المؤمنين في عصر فيلادلفيا، وصار موضوع هجوم وسخرية من جانب هؤلاء التقليديين.  ويلفت النظر وصف الروح القدس لهم هنا أنهم «من مجمع الشيطان» (ع9).  ليسوا هم بحصر اللفظ «مجمع الشيطان»، بل منه، أي ينتسبون إلى المجمع الذي أسسه الشيطان وهم تحت سلطانه أدبيًا.  ولكن سيأتي الوقت قريبًا حينما يأتي هؤلاء المُدَّعون ويسجدون أمام رجلي فيلادلفيا، ويعرفون أنها كانت موضوع محبة الرب وتقديره.  هكذا يعزي الرب البقية الوفية والمتألمة.  لقد كان هذا هو طريقه على الأرض، محتقرًا من القادة الدينيين ومرفوضًا، وأخيرًا قتلوه مُعلقين إياه على خشبة.  هذا قد رفَّعه الله، وقريبًا سيأتون ويسجدون له، ويعترفون بألسنتهم أنه ربٌ لمجد الله الآب (في2: 11).

   ثانيًا: يأتي وعد آخر: «لأنك حفظت كلمة صبري، أنا أيضًا سأحفظك من ساعة التجربة العتيدة أن تأتي على العالم كله لتجرب الساكنين على الأرض» (رؤ3: 10).  تعبير «كلمة صبري» يمكن أن نفهمه من قول الرسول يوحنا في مقدمة السفر: «أنا يوحنا أخوكم وشريككم في الضيقة وفي ملكوت يسوع المسيح وصبره» (رؤ1: 9).  فكل الفترة الحاضرة هي زمن صبر المسيح، لأنه جلس في يمين العظمة منتظرًا حتى توضع جميع الأعداء تحت قدميه (عب10: 13).  والمؤمنون في شركة مع المسيح ينتظرون حتى يأتي الوقت ليملك، ولم يبحثوا عن مكان أو حقوق في هذا العالم حيث لا يزال سيدهم مرفوضًا.  هذا أمر مبارك أن نتذكر الصفة المميزة للوقت الحاضر لكي لا نكل ونخور، أو نثور ونرفض أي شيء معاكس مما له صفة الشر والقهر.  ولكن عندما نتذكر أن المسيح منتظر بصبر، وأنه كلما طال انتظاره كلما امتد يوم النعمة وفرصة رجوع التائبين، تتشجع نفوسنا وتجد راحة في الشركة معه في صبره.  و«إن كنا نصبر فسنملك أيضًا معه» (2تي2: 12).

   لقد شاركت فيلادلفيا الرب في صبره وانتظاره، وكمشجع لها للمثابرة في هذا الطريق، يعطيها الوعد المناسب أنه سيحفظها «من (وليس في) ساعة التجربة العتيدة أن تأتي على العالم كله لتجرب الساكنين على الأرض».  فالكنيسة لن تجتاز في الضيقة التي ستقع بعد الاختطاف، والرب يسوع سيأتي لينقذنا من الغضب الآتي (1تس1: 10).  إن ”ساعة التجربة“ هنا ليست هي ”الضيقة العظيمة“ التي أشار إليها الرب في عظة جبل الزيتون، والتي قال عنها: «لو لم تُقصَّر تلك الأيام لم يخلص جسد.  ولكن لأجل المختارين تُقصَّر تلك الأيام» (مت24: 22).  هذه ”ضيقة يعقوب“ الخاصة باليهود والمحصورة في أورشليم واليهودية، ومرتبطة بظهور ”ضد المسيح“.  أما ”ساعة التجربة“ هنا (وهي سابقة أو متزامنة مع تلك الضيقة، ومرتبطة بنفس الأسباب حيث تحالف الوحش الروماني مع ضد المسيح اليهودي) فهي ستأتي على العالم كله «لتجرب الساكنين على الأرض».  هذا لا يعني ”سكان الأرض“ بحصر اللفظ بل هو تعبير أدبي يقصد به «الذين يفتكرون في الأرضيات» (في3: 19)، هؤلاء جعلوا أفكارهم ورغباتهم واهتماماتهم محصورة في الأمور الأرضية الجسدية الحسية في هذا العالم الشرير.

   ولكن قد يسأل سائل: أليس كل الكنيسة الحقيقية ستُحفظ من ساعة التجربة هذه؟ بلا شك نعم، لأن هذه الساعة سوف لا تأتي إلا بعد اختطاف الكنيسة لتكون مع الرب للأبد.  لكن الحقيقة هي، كما في كل الوعود للغالبين، أن هناك حاجة لتشجيع القديسين في ظروفهم الخاصة، وقد أسعفهم الرب بهذا التشجيع.  لقد تعين عليهم مواجهة قوى الشر والصمود ضدها، وهذا يقتضي صبرًا كثيرًا.  والرب يذكرهم أن الشر سيأتي بشكل مخيف وشامل على العالم كله، لكنه سيحفظهم من هذه الساعة الرهيبة، لأنهم حفظوا كلمة صبره.  وبينما تنصب الدينونات على الأرض، سيكونون في قمة التمتع الأبدي مع الرب في المجد.

   ثالثًا: هناك تشجيع آخر: «ها أنا آتي سريعًا.  تمسك بما عندك لئلا يأخذ أحد إكليلك» (رؤ3: 11).  في فيلادلفيا نجد استعادة الحق الخاص بمجيء الرب كالعريس لاختطاف الكنيسة.  هذا الحق الذي غاب عن الكنيسة منذ أيام برغامس، بعد القرن الثالث الميلادي، ومع بداية عصر الامبراطور قسطنطين، إذ اعتقدوا أن ملك المسيح قد أتى، حيث استراح المسيحيون من جحيم الاضطهاد.  ولقرابة 1500 سنة اختفى الحق الخاص بمجيء الرب، وغاب الرجاء عن الكنيسة بمفهومه الكتابي الصحيح، وانغمس المؤمنون في العالم، واهتموا بما على الأرض.  وبلغة مثل العذارى، «فيما أبطأ العريس نعسن جميهعن ونمن» (مت25).   ولكن هنا نرى صراخ نصف الليل يدوي: «هوذا العريس مقبل فاخرجن للقائه»، وهكذا عاش الرجاء وانتعش به القديسون في عصر فيلادلفيا.  وكان لهذا الحق المبارك تأثيره الأدبي المشجع والمنهض ليتذكر المؤمنون أنهم شركاء الدعوة السماوية، وأنهم غرباء ونزلاء على الأرض.

   ولكن هذه الجماعة الصغيرة كانت مُحاطة بالشر من كل ناحية، وكان الخطر المحيط بها هو الإعياء والكلل والخوار والشعور بأنه لا جدوى من التمسك والحرب، وهذا يقود لارتخاء الأيدي.  لهذا وجه الرب هذه الكلمات ليشجع الأمناء بقرب مجيئه لكي يستمروا في الجهاد والمثابرة حتى لو كَلَّتْ أيدهم ولصقت بالسيف مثل ألعازار بن دودو من أبطال داود (2صم23: 10).  إن قوة هذه الكلمات «أنا آتي سريعًا.  تمسك بما عندك (إلى أن أجيء) لئلا يأخذ أحد إكليلك» تشجع الأمين على الاستمرارية، وهو يلوح له بإكليل الاستحسان وابتسامة الرضى.  كما لو أن شخصًا رأى بحارًا مُشرفًا على الغرق وهو متشبث بسارية السفينة وسط بحر عاصف، فصرخ إليه: ”تمسك واستمر، وأنا آتي لإنقاذك سريعًا“.  بهذا يقوي الرب إيمان البقية ليظلوا ثابتين وصامدين ضد التيار لكي لا ترتخي أيديهم.  إن النهاية وليست البداية هي التي تضمن الإكليل للغالب، وإذا فرطنا في الحق سيضيع الإكليل، ويا للخسارة!

   الوعد للغالب: «من يغلب فسأجعله عمودًا في هيكل إلهي، ولا يعود يخرج إلى خارج، وأكتب عليه اسم إلهي، واسم مدينة إلهي، أورشليم الجديدة، النازلة من السماء من عند إلهي، واسمي الجديد» (رؤ3: 12).  نلاحظ صفة الغالب هنا، فلا يوجد شر ظاهر مشار إليه لكي يقاوموه ويغلبوه.  كما أنها ليست المثابرة في الأمانة حتى الموت لو اقتضت الضرورة، كما في سميرنا.  لكن الغلبة هنا هي ببساطة التمسك بما عندهم من نور وحق قد وصل إليهم والسلوك به.  وكون الرب يطلب منهم ذلك فهذا يعني أنه مصادق تمامًا على هذا النور والحق الذي نادوا به وعاشوا به وانفصلوا لأجله عن كل الأنظمة الأخرى في المسيحية، ليعيشوا ببساطة وفقًا للمكتوب.  الرب لم يوجه لهم أي لوم أو توبيخ أو تحذير أو تعديل أو مشورة خلاف ما عندهم.  لأن هذا ما قصد الروح القدس أن يصل إليهم.  وهذا أحدث فيهم نهضة عظيمة، هي الأعظم في كل تاريخ الكنيسة، وهي النهضة الأخيرة قبل مجيء الرب.

   والوعد هنا مرتبط بحالة الفيلادلفي، فهو هنا على الأرض كانت له «قوة يسيرة»، لكن الرب سيجعله عمودًا هناك في هيكل إلهه، والعمود يتكلم عن القوة والثبات.  هنا خرج خارج المحلة التي تمثل كل الأنظمة الدينية، ونتيجة ذلك رُفض واضطُهد واحتُقر، هناك لن يعود يخرج إلى خارج.  كما نجد أن حفظ كلمة المسيح قد شكَّلت إكليل الغالب، حيث أنه هناك سيكتب عليه اسم إلهه، واسم مدينة إلهه، أورشليم الجديدة النازلة من السماء من عند إلهه.  أي إظهار مجد الله في الكنيسة في حالتها الممجدة (رؤ21: 10)، بالمقابلة مع مدينة الإنسان الدينية الفاسدة، بابل العظيمة (رؤ18).  وليس فقط في الحالة الألفية ”كأورشليم المقدسة“، بل بطول الأبدية ”كأورشليم الجديدة“، التي ستظل ببريقها ونضارتها التي لا تخبو تعكس أمجاد المسيح، إذ ستلمع كأكرم حجر يشب بلوري.  «كنيسة مجيدة لا دنس فيها ولا غضن أو شيء من مثل ذلك بل تكون مقدسة وبلا عيب» (أف5: 27).  «واسمي الجديد»، نظرًا لأن الغالب لم ينكر اسمه المُحتقر، بل عاش يُكرم هذا الاسم ويُعلي هذا الاسم ويشهد عن هذا الاسم.  وتعبير «اسمي الجديد» يفيد الاسم غير المعروف في كل العهد القديم، بل كمن مات بالنسبة للعالم وقام، وصعد إلى المجد السماوي، وصار رأسًا للخليقة الجديدة.  لهذا قال بولس: «نحن من الآن لا نعرف أحدًا حسب الجسد.  وإن كنا قد عرفنا المسيح حسب الجسد، لكن الآن لا نعرفه بعد.  إذًا إن كان أحد في المسيح (المقام والممجد) فهو خليقة جديدة ... هوذا الكل قد صار جديدًا» (2كو5: 16، 17).  وضمير الملكية (حرف الياء) الذي يتكرر خمس مرات يرينا الارتبط الحميم مع المسيح في مجده السماوي.  كما أن كتابة الاسم على الشخص تعني الاستحسان والإعجاب بهذا الشخص والتوحد معه.

   أخيرًا يأتي التحريض: «من له أذن للسمع فليسمع ما يقوله الروح للكنائس» (رؤ3: 13).  ليت لنا الأذن السامعة والقلب الفاهم لكل ما يقوله ويريده الروح القدس منا في هذه الأيام الأخيرة.

****

 

   تتشابه فيلادلفيا مع المثل السادس من أمثال ملكوت السماوات، وهو مثل اللؤلؤة.  «تاجر يطلب لآلئ حسنة، فلما وجد لؤلؤة واحدة كثيرة الثمن، مضى وباع كل ما كان له واشتراها» (مت13: 45، 46).  فاللؤلؤة الواحدة هي رمز للكنيسة في وحدتها وجمالها، وكذلك في الثمن الذي دفعه المسيح.  وفي زمن فيلادلفيا أقام الرب رجالاً أتقياء كشفوا الحق الخاص بالكنيسة كجسد المسيح الواحد، واتحادها برأسها الممجد في السماء، فكانت ترى الكنيسة بحق كلؤلؤة واحدة كثيرة الثمن.

****

   كذلك فإن هذا الدور السادس من تاريخ الكنيسة يتطابق بشكل مذهل مع الجزء قبل الأخير من رحلة بولس في السفينة حسبما سجله الروح القدس في (أع27: 27 – 37) على النحو التالي:

1-  «فلما كانت الليلة الرابعة عشر»، يذكر الرقم 14 مرتين في هذا الجزء (أع27: 27، 33).  وهذا الرقم هو مكرر الرقم 7، وهو رقم الكمال، ورقم 2 هو رقم الشهادة (يو8: 17).  وفي التطبيق نرى في فيلادلفيا عودة الشهادة الكنسية الكاملة إلى المسيحية.

2-  «ظن النوتية نحو نصف الليل» (ع27)، لقد فقدت المسيحية طابعها السماوي في الدور الرابع، ففقدت بالتالي الرجاء المبارك، رجاء مجيء الرب.  وهذا ما نقرأه في مثل العشر عذارى «فيما أبطأ العريس نعسن جميعهن ونمن» (مت25)، وهذا يعني ضياع رجاء مجيء المسيح كالعريس من المسيحيين لقرون طويلة.  لكن الرب يستطرد فيقول: «وفي نصف الليل صار صراخ: هوذا العريس مقبل، فاخرجن للقائه» (مت25: 1 – 6).  هذا ما حدث في دور النهضة الفيلادلفية حيث استُعيد الحق الخاص بمجيء الرب لاختطاف الكنيسة.  وكان لاكتشاف هذا الحق الثمين دوي هائل كصرخة في منتصف الليل. 

3-  «وإذ كانوا يخافون أن يقعوا على مواضع صعبة ..» (ع29).  هذه العبارة ترينا الإحساس بالضعف والعجز، وتذكرنا بقول الرب لملاك كنيسة فيلادلفيا: «لك قوة يسيرة».  ولأنهم كانوا يخافون فقد رموا من المؤخر أربع مراس.  وهذه كان من شأنها أن تحفظ السفينة في البحر العاصف حتى يطلع النهار.  ويمكن تطبيق المراسي الأربع على التحريض الرباعي الذي تُختم به رسالة يهوذا، رسالة الارتداد وطغيان الشر، إذ يقول: «وأما أنتم أيها الأحباء فابنوا أنفسكم على إيمانكم الأقدس، مصلين في الروح القدس، واحفظوا أنفسكم في محبة الله، منتظرين رحمة ربنا يسوع المسيح للحياة الأبدية» (يه20، 21).

4-  «كانوا يطلبون أن يصير النهار» (ع29).  لقد شعر ركاب السفينة بالضعف والعجز على مواجهة العاصفة العاتية في مثل تلك الظلمة الحالكة، فطلبوا بزوغ الفجر.  وهكذا أيضًا في رحلة الكنيسة، كان الأمل الوحيد للفيلادلفيين هو مجيء الرب.  ولم يكن مجيء الرب مجرد حقيقة عرفوها جيدًا بل كان غرضًا يطلبونه ويبتغونه.  لقد مرت في رحلة السفينة فترة طويلة كئيبة جدًا «لم تكن الشمس ولا النجوم تظهر أيامًا كثيرة» (أع27: 20).  أما الآن فنقرأ هذه العبارات المنعشة «كانوا يطلبون أن يصير النهار ... وحتى قارب أن يصير النهار» (ع29، 33).  حقًا لقد «تناهى الليل وتقارب النهار» (رو13: 12).

5-  «قاسوا ووجدوا ... ثم قاسوا ووجدوا» (ع28).  هذا يرينا في التطبيق أنه في هذه الفترة كانت كلمة الرب غالية جدًا عندهم، وكانوا يفحصون الكتب كل يوم: «هل هذه الأمور هكذا»؟ وفي السرد الإلهي «قاسوا ووجدوا .. ثم قاسوا ووجدوا»، نرى أن النور كان يصل إليهم بالتدريج (أم4: 18).  وكلما أطاعوا الحق كان الرب يعطيهم المزيد.

6-  «ولما قال هذا أخذ خبزًا وشكر .. وكسر» (ع35).  بالطبع هذا لا يحدثنا حرفيًا عن ممارسة صنع ذكرى موت الرب، بل عن الأكل العادي.  لكننا نجد تلميحًا لاستعادة المؤمنين لممارسة كسر الخبز بالطريقة الكتابية البسيطة التي كانت تتم بها في الكنيسة الأولى.  وهذا ما حدث فعلاً في عصر فيلادلفيا.

7-  «لا تسقط شعرة من رأس واحد منكم» (ع34).  لقد قال بولس هذا بكل يقين لأنه سمع من فم الملاك: «قد وهبك الله جميع المسافرين معك» (ع24).  «وكنا في السفينة مئتين وستة وسبعين» (ع37) وهذه هي المرة الوحيدة التي يذكر فيها عدد ركاب السفينة.  وفي هذا نرى الضمان الأبدي للمؤمنين الحقيقيين المحفوظين ليسوع المسيح (يه1)، واستحالة هلاك واحد منهم.  الكل معروف ومضمون وصوله سالمًا حتى لو تحطمت السفينة.

8-  «ولما كان النوتية يطلبون أن يهربوا من السفينة وأنزلوا القارب إلى البحر بعلة أنهم مزمعون أن يمدوا مراسي من المقدم، قال بولس لقائد المئة والعسكر: إن لم يبق هؤلاء في السفينة فأنتم  لا تقدرون أن تنجو.  حينئذ قطع العسكر حبال القارب وتركوه يسقط» (ع30 – 32).  الهروب بالقارب من السفينة يتضمن الإقرار بأن حالة السفينة ميئوس منها، كما أنه يتضمن محاولة إصلاح الوضع بإقامة شهادة صغيرة (القارب)، وإلغاء مبدأ الجسد الواحد الذي يشمل كل المؤمنين.  بمعنى إهمال الكنيسة واستبدالها بمجموعات صغيرة أو أنشطة مستقلة عن الكنيسة التي فشلت.  الأمر الأول هو مبدأ صحيح تمامًا، فبولس نفسه قال: «لا تكون خسارة ... إلا السفينة» (ع22).  أما الأمر الثاني وهو إنكار وحدة الجسد، والاستقلال عن جسم الشهادة الكنسية بعمل شهادة صغيرة مستقلة فهذا غير صحيح بالمرة، وبولس رفضه رفضًا تامًا.  القارب يصور الحزبية والروح الطائفية التي نحن جميعًا معرضون لها، ويصور أيضًا الحركات والكيانات والمجموعات والاجتماعات الفرعية المختلفة التي اتسمت بروح الاستقلالية.  هذا ما رفضه الإخوة الأوائل في عصر فيلادلفيا حفاظًا على مبدأ الجسد الواحد.

9-  في (ع30 – 32) نجد صوت بولس يُسمع ويُعمل به، وهو يمثل أقوال الله.  وقبل ذلك تكلم بولس لكن لم يستمع أحد إليه، «إذ كان قائد المئة ينقاد إلى ربان السفينة وصاحبها أكثر مما إلى قول بولس» (ع10، 11).  هذا يرينا أنه في عصر فيلادلفيا لم يعلُ صوت فوق كلمة الله وسلطانها.  وقد ارتبط بالرجوع الكامل لكلمة الله ثلاثة أشياء هي: الطعام والنور والسرور.           

                                                                           

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com