عدد رقم 2 لسنة 2014
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الكنيسة كجسد المسيح (2)  

   رأينا في المرة السابقة أن أول إعلان عن الكنيسة كجسد المسيح المرتبط بالرأس في السماء كان عندما ظهر الرب لشاول في الطريق وهو ذاهب إلى دمشق، وناداه قائلاً: «شاول شاول لماذا تضطهدني»؟ (أع9)، وليس ”لماذا تضطهدهم“؟  ومن ذلك الوقت عرف شاول الذي هو بولس أن المؤمنين على الأرض والمسيح في السماء هم واحد، يرتبطون به في علاقة وثيقة هي علاقة الجسد بالرأس، وأننا «أعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه» (أف30:5).  وفهمنا أن الروح القدس نزل من السماء يوم الخمسين بعد أن صعد المسيح وتمجد في الأعالي، وصار رأسًا هناك، ليُكوِّن الكنيسة جسد المسيح على الأرض، وكان الروح القدس يضم إلى الكنيسة كل يوم الذين يخلصون، والجسد ينمو.  وإن كانت المعمودية المسيحية تدخل الشخص إلى دائرة الاعتراف المسيحي ليصبح تحت مظلة وربوبية المسيح، فإن معمودية الروح القدس تُدخل الشخص إلى دائرة الجسد الواحد المرتبط بالرأس في السماء.

   وإذا أردنا أن نُعرِّف الكنيسة كجسد المسيح فإننا نرى هذا الجسد في ثلاث دوائر:
   أولاً: هو جميع المؤمنين الحقيقيين الذين سكن فيهم الروح القدس من يوم الخمسين إلى لحظة الاختطاف، طوال هذه الحقبة، وهذا هو المعنى الشمولي للجسد، وسيُرى في لحظة الاختطاف عندما يجتمع الشمل كله، حيث الأموات في المسيح يقومون أولاً، ونحن الأحياء الباقين إلى مجيء الرب نتغيَّر ونُخطف جميعًا معهم في السحب لملاقاة الرب في الهواء.  وهذا التجمع بهذا الشكل الشامل لن يتحقق قبل ذلك.  وطوال مُلك المسيح الألفي السعيد على الأرض، في تدبير ملء الأزمنة، حيث سيجمع الله كل شيء في المسيح، ما في السماوات وما على الأرض في ذاك (أف10:1)، ويكون المسيح هو المركز الذي يدور حوله كل الكون، في ذلك العصر السعيد ستكون الكنيسة، كجسد المسيح، لها المكان المُتميِّز بحسب مقاصد الله، بالارتباط بأمجاد المسيح، فهي «ملء الذي يملأ الكل في الكل» (أف23:1).  المسيح يملأ كل الكون بأمجاده وكمالاته وبركاته، والكنيسة لها امتياز القرب العجيب والاتحاد به في علاقة فريدة لا نظير لها، فهي جسده.  كل الكون سيتبارك من خلال المسيح، وسيكون لمجد المسيح، وكل الخليقة وكل المؤمنين على الأرض سيمدحون ويسبحون ويعاينون عظمته.  لكن لا شيء يُعتبر ملء المسيح سوى الكنيسة التي هي جسده.  فالرأس يحتاج إلى الجسد ليُكمِّله، ولا يمكنه الاستغناء عنه مطلقًا، والجسد هو الذي يُعبِّر عن أمجاد المسيح ويُظهرها في ملئها وكمالها أمام العالم العتيد.

   ثانيًا: الجسد هو جميع المؤمنين الأحياء على الأرض في كل العالم، الذين يسكن فيهم الروح القدس، في كل الجماعات، في لحظة من الزمان.  وهذا هو المعنى العام للجسد والذي أشار إليه الرسول بولس بقوله: "لأننا جميعنا بروح واحد اعتمدنا إلى جسد واحد، ... وجميعنا سُقينا روحًا واحدًا" (1كو13:12).  فكل من آمن بالمسيح وسكن فيه الروح القدس، هو عضو في جسد المسيح، بغض النظر عن فهمه وإدراكه أو انتمائه الكنسي.  إنه عضو في الجسد وليس عضوًا في طائفة أو هيئة أو نشاط.  فكل هذه تنظيمات بشرية لم يعملها الروح القدس.  الروح القدس هو الذي يضم الشخص الذي آمن إيمانًا حقيقيًا إلى الجسد الواحد الموجود على الأرض.  ولا يستطيع إنسان أن يُدخِل نفسه في الجسد، ولا أن يُخرِج نفسه من الجسد.  وهذا ما يُعرف ب ”وحدة الجسد“.  بمعنى أن الروح كوَّن جسدًا واحدًا على الأرض يضم جميع المؤمنين، وهذه الوحدة التي صنعها الروح القدس قائمة وستظل رغم الانقسامات والطوائف المتعددة التي جعلت هذه الوحدة غير ظاهرة، ولكن الإيمان يراها ويمسك بها.  ولسنا بحاجة أن نسعى للاتحاد معًا ونتجاهل الوحدة التي عملها ويضمنها الروح القدس.  وما علينا فقط هو أن نجتهد لنحفظ وحدانية الروح برباط السلام (أف3:4).  وهذا يتحقق بالاتصال الصحيح بالرأس الذي منه تنساب الحياة لكل أعضاء الجسد، وتصدر الأوامر والإشارات لكل أعضاء الجسد، لكي يتحقق التناغم والانسجام والتكامل بين كل أعضاء الجسد في خضوع كامل للرأس الذي هو المسيح.  ولكي نفهم الفرق بين وحدة الجسد ووحدانية الروح نقول: إن الجسد أو جسم الإنسان مُكوَّن من أعضاء كثيرة مرتبطة بهذا الجسد، وكل عضو له وظيفته طالما حيًّا.  ولكن قد يحدث أن يُصاب عضو بشلل، وبالتالي يفقد القدرة على الحركة والتناغم مع بقية أعضاء الجسد، ولكنه لا يزال في الجسد ولم يخرج من الجسد.  هذه هي وحدة الجسد.  ولكنه نتيجة فقدان الاتصال بالرأس بشكل صحيح فإنه قد فقد وحدانية الروح الذي يحرك الأعضاء.  لا يوجد تحريض في الكتاب أن نحفظ وحدة الجسد ولا أن نتحد، فهذا عمله الروح القدس، وعلينا أن نحترم ما عمله الروح ونتمسك به، وليس أن نستحسن شيئًا بخلافه.  ولكن التحريض أن نجتهد لنحفظ وحدانية الروح، وبالنظر للاختلافات الكثيرة التي صنعتها الناس، فإنه يقول: «برباط السلام».  وهذا يتحقق باتصال كل عضو بالرأس والخضوع له بشكل عملي، والتمسك بوحدة الجسد القائمة وعدم الاستقلال عنها.  ونلاحظ أن الجسد يتكون من مؤمنين أحياء وأعضاء حية على الأرض.  وعلى ذلك فإن من يرقد يخرج مؤقتًا عن الجسد إلى لحظة الاختطاف.  ونلاحظ أيضًا أن أعضاء الجسد متغيِّرة كل لحظة، فهناك من ينضم إلى الجسد بالإيمان وسُكنى الروح القدس كل لحظة، وهناك من يرقد ويخرج من الجسد أيضًا كل لحظة.  ويجب أن نعرف أن كل عضو له مكانه وأهميته ووظيفته في الجسد، ولا يوجد عضو بلا عمل في الجسد، فقط نحتاج أن نعرف مكاننا الصحيح وماذا يريد الرب منا.

   ثالثًا: المؤمنون المجتمعون معًا في مكان واحد، تحت سقف واحد، يُمثلون الجسد الواحد في هذا المكان.  وهذا هو المعنى المحلي أو المكاني للجسد.  وهذا ما قاله الرسول بولس للمؤمنين في كورنثوس: «وأما أنتم فجسد المسيح وأعضاؤه أفرادًا» (1كو27:12).  ونلاحظ روعة ودقة الوحي في هذا النص وهو يتكلم عن الجسد بهذا المنظور للكنيسة المحلية في مكان معين، حيث لم يستعمل أداة التعريف ولا أداة التنكير في كلمة ”جسد“.  فلم يقل: أنتم The body of Christ  ولا قال: أنتم A body of Christ  بل قال: أنتم Body of Christ، فلو قالها بالتعريف لكان هذا يعني أن المؤمنين في كورنثوس وحدهم هم كل الجسد، والمؤمنون في الأماكن الأخرى ليسوا من الجسد، وهذا بالطبع غير صحيح.  ولو قالها بالتنكير لكان هذا يعني أنهم جسد مستقل وبالتالي المؤمنون في أفسس هم أيضًا جسد آخر مستقل وكذلك الحال في كولوسي وغلاطية و... ألخ.  وبذلك يصبح للمسيح عدد هائل من الأجساد، وهذا أيضًا غيرصحيح، فهناك جسد واحد في كل العالم في كل لحظة.  لكن الروح القدس وقد ذكرها بهذا الشكل قصد أن يقول: أنتم المجتمعون معًا في كورنثوس في مكان واحد تُمثلون الجسد الواحد في هذا المكان، وتُعبِّرون عن هذه الوحدة بغض النظر عن عدد الحاضرين.  وقد أشار الرسول وهو يتكلم عن مائدة الرب إلى أن المؤمنين الذين يشتركون في خبز واحد (رغيف واحد)، هذا الخبز الواحد يُمثل الجسد الواحد، فقال: «نحن الكثيرين خبزٌ واحد، جسدٌ واحد، لأننا جميعنا نشترك في الخبز الواحد» (1كو17:10)، وعلى ذلك فإن مائدة الرب تُعبِّر عن وحدة الجسد.

   وقد رأينا في رسالة أفسس أن الكنيسة هي جسد المسيح وملء ذاك الذي يملأ الكل في الكل، وهي التي ستُعبِّر عن أمجاده أمام العالم العتيد، أما في رسالة كولوسي فبعد أن استعرض أمجاد الرأس باعتباره ابن محبته، صورة الله غير المنظور، بكر كل خليقة، الذي فيه خُلق الكل، وفيه يقوم الكل، وهو رأس الجسد الكنيسة، الذي هو البداءة، بكرٌ من الأموات، ليكون هو متقدمًا في كل شيء (كو13:1- 18)، حذَّر من خطورة الفلسفة والغرور الباطل حسب تقليد الناس، وحذَّر من الديانة التقليدية وفرائض الناموس، والخرافات العجائزية (كو2)، ثم تكلم عن المؤمنين باعتبار مسؤوليتهم على الأرض كجسد المسيح في الوقت الحاضر أن يظهروا المسيح أمام العالم الآن في فترة غيابه في السماء.  فالعالم لا يرى الرأس الذي مضى إلى السماء ولا يعرفه، لكنه يرى الجسد الموجود على الأرض الآن.  وعلينا أن نظهر أمجاد المسيح الأدبية وصفاته وكمالاته للآخرين.  لهذا يقول الرسول بولس: «فالبسوا كمختاري الله القديسين المحبوبين أحشاء رأفات، ولطفًا، وتواضعًا، ووداعة، وطول أناة، محتملين بعضكم بعضًا، ومسامحين بعضكم بعضًا، إن كان لأحد على أحد شكوى، كما غفر لكم المسيح هكذا أنتم أيضًا، وعلى جميع هذه البسوا المحبة التي هي رباط الكمال، وليملك في قلوبكم سلام المسيح الذي إليه دعيتم في جسد واحد، وكونوا شاكرين» (كو12:3- 15).  إننا ننتمي للمسيح كأعضاء جسده على الأرض، وعندما نُقدِّم للعالم صورة حية صادقة جذابة عن المسيح في روعة صفاته وأخلاقياته، فإننا نُعبِّر عن الرأس الذي مضى إلى السماء، وهذا هو دورنا.  إن كل ما نفعله أو نتكلم به سيُنسَب إلى المسيح، لهذا يجب أن نتحذر في سلوكنا، ولنسمع تحذيرات الرسول بولس عندما قال: «ألستم تعلمون أن أجسادكم هي أعضاء المسيح؟ أفآخذ أعضاء المسيح وأجعلها أعضاء زانية؟ حاشا»! (1كو15:6).  ليتنا نُقدِّر هذا الامتياز ونعيش بحسب هذا المركز الجديد، ونكون شهادة مُشرِّفة أمام العالم تليق بالرأس المجيد الذي انتسبنا إليه.
وللحديث بقية إذا شاء الرب
                                                    


© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com