عدد رقم 6 لسنة 2013
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
طوبى لمَن لا يعثُر فيَّ  

   العثرة في الرب تعني أننا نُصدم فيه بسبب معاملاته الغير مفهومة والغير متوقعة مثل: 

1- عدم تدخله لإنقاذِنا:
مع أننا نعلم أنه يَقدر وأن الأمر لن يُكلفَه أكثر من كلمة.. "قال فكان، هو أمَرَ فصار" (مز9:33)، وبكلمة منه يقودنا من وجه الضيق إلى رحبٍ لا حصرَ فيه.  هذا ما نراه عندما أرسل يوحنا المعمدان إلى الرب من السجن سائلاً: "أنت هو الآتي أم ننتظر آخرَ"؟ كأنه يقول: طالما أنت الآتي فبإمكانك أن تعمل شيئًا لإخراجي من السجن، وإن لم تتدخل فهل ننتظر شخصًا يأتي بعدك نتوقع منه الخلاص؟ ومع أنه سبق وشهد عن الرب، لكنه تحت ضغط السجن شكَّ.  وكان ردُّ الرب للمُرسَلَيْن: اذهبا قولا ليوحنا ما رأيتما، أي ما يوضِّح أنني قادر على أن أجعل "العمي يبصرون والعرج يمشون والبرص يُطهرون والصم يَسمعون والموتى يقومون والمساكين يُبشرون، وطوبى لمن لا يعثر فيَّ" (متى 11: 2-5). 
   لقد كان من الصعب على هذا الرجل الذي جاء كسفير للملك حسب النبوات، ليعد الطريق أمامه، ويهيئ للرب شعبًا مُستعدًا، أن يدخل السجن وتتحطم آماله وتوقعاته، وكان متحيرًا ولا يجد إجابة شافية؛ لهذا أرسل رسالة عتاب للرب أوضح من خلالها أنه مصدوم من تأخره في التدخل لإنقاذه من السجن؛ فعثر في الرب عندما لم يفهم أفكارَه وطرقه، والرب أوضح له أنه يَقدر، لكنه تركه في السجن لحكمة خاصة لم يفهمْها يوحنا في يومه.  ليتنا نتذكر دائمًا هذه العبارة "طوبى لمن لا يعثر فيََّ". 

2- عطايا الرب للأشرار وشعور المؤمن بالحرمان: وهذه العثرة سقط فيها أفاضل مثل آساف وإرميا وأيوب: 
- ففي مزمور 73 غار آساف من الأشرار حتى في موتهم.
- وقال إرميا: لماذا تنجِح طريق الأشرار؟ فكان ردُّ الرب "إن جريت مع المشاة فأتعبوك فكيف تُباري الخيل، وإن كنت مُنبطحًا في أرض السلام فكيف تعمل في كبرياء الأردن" (إرميا 12: 1-5). وكأن الرب يقول له: إذا كنت لم تفهم حكمتي من وراء هذا الأمر البسيط وهو نجاح الأشرار، فكيف تفهم حكمتى من وراء الأمور الأخرى الأصعب عندما تواجه الضيق والمذلة؟
- وأيوب تحير قائلاً: "لماذا تحيا الأشرار ويشيخون ويتجبرون قوة؟ ... يقضون أيامهم بالخير ... فيقولون لله ابعد عنا وبمعرفة طرقك لا نُسر.  مَنْ هو القدير حتى نعبدَه، وماذا ننتفع إن التمسناه؟" (أيوب 21: 7-14). 
- ومن مزمور 73 نجد الرد على هذه العثرة، وهو أن المؤمن يُجرَّب لكن في ذات الوقت له يد الرب التي تسنده: "أمسكت بيدي اليمنى".  والأشرار إن لم يتجاوبوا مع معاملات لطف الله فنهايتهم مُرَّة "انتبهتُ إلى آخرتهم... كيف صاروا للخراب بغتة، اضمحلوا، فنَوا من الدواهي" (مزمور 73 :17-19). والأشرار لهم خير، لكنها مُعاملات لطف الله الذي يقتادهم إلى التوبة "أم تستهين بغنى لطفه وإمهاله وطول أناته، غير عالم أن لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة؟" (رومية 2: 4)، ولكننا لا ننسى أن الذي أزال العثرة من أمام آساف هو دخوله المقادس، فيا ليت يكون هذا مكاننا بمجرد أن تأتينا أي عثرة، حتى يتسنى لنا رؤية الأمور بمنظور الله الصحيح.  أما عن الحرمان، فلا يجب أن ننسى أن الغرضَ منه هو تدريب الإيمان.

3- الأمراض:
  
يوجد مَنْ يُنادون بإنجيل الصحة الذي يقول إن المؤمن لا يمرض، مع أن بولس نفسه الذي كانت تؤخذ من على جسده مآزر لشفاء المرضى، كان في جسده شوكة؛ وتيموثاوس كانت عنده أسقام كثيرة، وتروفيمُس تركه بولس في ميليتس مريضًا.  فخلف الأمراض توجد تدريبات إلهية كثيرة.
فبولس قال عنه الرب لحنانيا: "سأريه كم ينبغي أن يتألم من أجل اسمي" (أع15:9، 16).  فبالألم يكتسب الخادم خبرة روحية يشارك بها إخوته المتألمين، فعندما يعزي المؤمن حزانى آخرين يكون هذا من رصيد تعزية سبق وأخذها من الرب وقت حزنه "الذي يعزينا في كل ضيقتنا حتى نستطيع أن نعزي الذين هم في كل ضيقة بالتعزية التي نتعزى نحن بها من الله" (2كو 1: 4).  وهذا ما نراه في أروع مثال قيل عنه: "لأنه في ما هو قد تألم مجربًا يقدر أن يعين المجربين" (عب 2: 18)، وذلك من خلال الاختبار الشخصي.
فلم يقصد الرب بالمرض تفشيلك ولا تعطيلك أو إنهاء خدمتك أو أنه لا يُقدِّر تعبك أو أنه لا يحبك؛ لكنه يبغي خيرك الروحي، وثق أنه يقصد بركة لخدمتك حتى ولو من خلال الألم. 

4- الضيقات وتوقع الاضطهادات:
هذا ما قاله الرب للتلاميذ قبل الصليب مباشرة في يوحنا 16 بكل تفصيل للمواقف التي قد تحدث لهم، وقال لهم هذا لكي لا يعثروا عندما تحدث، "قد كلمتكم بهذا لكي لا تعثروا" (يوحنا16: 1)، وفي نهاية الأصحاح قال لهم: "قد كلمتكم بهذا ليكون لكم فيَّ سلام، في العالم سيكون لكم ضيق ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم" (يوحنا 16: 33)، فعندما يحدث ما هو متوقَّع لماذا العثرة إذًا؟

5- التأني في إجابات الله لصلواتنا:
فلسبب علمنا أنه يسمع وأنه يقدر، ولعلمنا أنه يتداخل في ظروف غيرنا، فلماذا لا يتداخل في ظروفنا نحن؟ ونتخيل أن الرب يُقَدِّر البعض عن البعض الآخر، مع أن كلمة الله تُخبرنا أن "الرب صالح للكل ومراحمه على كل أعماله" (مزمور 145: 9)، ونسينا أنه عندما يتداخل لا يتداخل بالطريقة التي كنا نتخيلها ونحن نصلي، بل يتداخل بطريقته وفي توقيته. 
في بعض المرات لا يُجيب، لكن هذا رحمة بنا، للدرجة التي معها قال أحدهم: إننا أمام كرسي المسيح سنشكره لأجل الطلبات التى لم يُجب عنها أكثر من شكرنا له لأجل الطلبات التي أجاب عنها.

لسبب هذه الأمور الخمسة التي ذكرناها يشككنا العدو في محبة الرب وصلاحه، فدائمًا ما تُثار هذه الأسئلة: لماذا أنا بالذات؟ لماذا عندي هذا الاحتياج، الحرمان، المرض.. هل الله يسمع لي؟ هل الله يشعر بي؟ هل الله يهمه أمري؟ لماذا يتأنى في التدخل؟ وما هذا كله إلا نوع من شكايات إبليس عن الله لدى ضمائرنا. فإذا كانت شكايته عنا لدى الله مرفوضة، فإن شكايته عن الله لدى ضمائرنا - للأسف - كثيرًا ما تُقبل. 

لذلك دعونا نُجيب عن السؤال: كيف لا نعثُر في الله؟

ونقول: عندما نثق في حكمته التي لا تخطئ، عندما نثق أن مواقيتَه مستقيمة "لأني أعين ميعادًا، أنا بالمستقيمات أقضي" (مزمور2:75)، عندما نثق في محبته التي ظهرت في الصليب وأظهرها من خلال مواقف حية معنا في الماضي؛ فمهما نواجه من عواصف أو مواقف لا نشك قط فيه، و"إن كان الله معنا (لنا) فمن علينا".
عندما يكون لنا الإيمان في أن اللهَ يجعل كلَّ الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبونه (رومية 8: 28)، فحتى الأشياء التي تبدو في ظاهرها أنها لضررنا سنتيقن أنها لخيرنا.
إذًا علينا بالتسليم والخضوع والثقة فيه والانتظار له، حتى لو لم نفهم الآن ما هو صانع، فيقينًا سنفهم فيما بعد، "فما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء! لأنْ مَنْ عرف فكر الرب أو مَنْ صار له مشيرًا؟" (رو33:11).  إنه الإله الحكيم وحده الذي لا يُخطئ.

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com