عدد رقم 5 لسنة 2007
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
هل للإيمان والمؤمن مكان في وسط رجال الأعمال؟  

لقدعلّمني الله، في رحلة طالت أكثر من أربعين سنة، مليئة بالمرتفعات والمنخفضات، بالأفراح والأحزان، بالتحديات من الداخل ومن الخارج؛ بعضها يضعه الله للتدريب والنمو، وأخري يضعها إبليس للتفشيل واليأس، وأخري يضعها الناس، سواء القربيين منهم أو البعدين، المؤمنين أو غير المؤمنين، بجهل أو عن عمد..  ولكن في هذه جميعها رأيت يده الصالحة تعلّمني، وكانت كلمته هي سراج لرجلي ونور لسبيلي.

وعندما يقول رب المجد «لا تهتموا قائلين: ماذا نأكل؟  أو ماذا نشرب؟  أو ماذا نلبس؟ ...» (مت 6: 31-34)، هو يعني ذلك حرفيًا، وهو قادر علي تنفيذه.

لقد تعلّمت، من خلال موقعي كرجل أعمال، أن الله يريد أن يرسل أولاده إلي كل مواقع الحياة، من أعلاها إلي أدناها؛ لكي يمجِّدوه ويشهدوا له ويضيئوا كأنوار في كل موضع مظلم. 

فبهذه المواعيد، وغيرها، قَبِلت التكليف و«من تجنَّد قَطّ بنفقة نفسه؟».

كانت رحلة رائعة، غنية باختباراتها الحلوة كما المُرّة أيضًا، تشهد عن إله أمين ومحب، فكانت يداه تشجِّع وتحفظ، تجرح وتعصب، تشفي وتمسح الدموع.  عجيبة هي كل أعماله، بل ورائعة، إذ ملأتني باليقين أنه لم يكن لقدراتي، أو لحكمتي، أو حتى لحظّي، دور فيما رتَّب لي من نجاح أو جنَّبَني من فشل.

فهو عندما يعطي فبسخاء، وعندما يغلق فبإحكام؛ وإنما يفعل هذا بكل حكمة ومحبة وعناية.  أستطيع أن أقول، وبصدق «أيضًا كنت فَتى وقَد شِخت، ولم أرَ صِدِّيقًا تُخلّيَ عنه، ولا ذُرّيهً له تلتمس خبزًا» (مزمور37: 25).  ما أروع أن تختبر أن «إله السماء يعطينا النجاح، ونحن عبيده نقوم ونبني» (نح 2: 20).

نشاطنا يرتبط ارتباطًا مباشرًا مع حركة السياحة في مصر، ومن المفترض أنه يزدهر بازدهارها وينكمش بانكماشها، لكن حتي هذه القاعدة الاقتصادية البسيطة تقف عاجزة عن تفسير أعمال من له في الموت مخارج، ففي أصعب الظروف كان يأمر ”الغربان“ أن تعولنا!

عندما طلب مني خادم الرب المحبوب أن أذكر له يومًا اختبرت فيه يد الرب وأمانته سألته ”أي يوم تقصد؟“..  فالعمل مع الله لا يتكون من اختبارات متفرقة في أيام بعينها، بل هو حياة من الاختبارات المتصلة والمستمرة والجديدة في كل صباح.

أذكر في مرة، في ظل الأوقات الصعبة، لم يكن بالشركة سيوله تكفي لصرف رواتب العاملين معي، ولكن في ذات اليوم الذي كنت أتمني أن أستطيع صرفها، جاءتني مكالمة هاتفية من عميل (جهة رسمية غير مشهود لها بأنها تبادر بدعوة مورّديها لاستلام مستحقاتهم، بل تفعل ذلك فقط بعد العديد من المطالبات) تطلب مني إرسال من يستلم شيكًا بمستحقَّاتنا لديها.  وتم صرف الرواتب في نفس اليوم، وكان فرحنا عظيمًا؛ ليس بالرواتب فحسب، ولكن بالرب الذي لم يتركنا نحتاج بل يعطينا ”العلوفه في حينها“.

منذ بضع سنوات تقدَّمنا بعروض لجهة من الجهات المرموقة في مجالنا، وبالرغم من استحقاقنا الفوز بها - من وجهة نظري - إلا أننا خسرناها؛ لرفضنا إتباع الأساليب المعمول بها.  وتدور السنين، وفي ذات الجهة، بعد أن تغيّر القائمون عليها، دُعيت لمناقصة تفوق الأولي بأكثر من أربعة أضعاف، ويتم ترسيتها علينا وبشروطنا..  بل وقد كشف لنا الله أسبابًا نشكره عليها لأننا خسرنا الأولي، تمامًا كما شكرناه علي فوزنا بالثانية.

يعوزني الوقت، عزيزي القارئ، لكي أذكر كل الاختبارات والتحديات التي تواجه المؤمن في خضم العمل الزمني، ولكن أوَدّ أن أؤكد لك أن الله يريد من يستخدم لتوصيل محبته وصورته لأناس جرفتهم محبة المال والشهرة، بل والشر؛ فهل تقبل هذه الإرسالية؟!

لم أكن أملك من المقومات ما يرشحني لتمثيل أكبر الشركات والأولي في العالم في مجالها..  لكن كل الشركات التي نمثِّلها الآن قد ساقها الله إليَّ بطرق عجيبة، وهكذا كان أيضًا نجاحنا في العمل معها.  لقد علّمني الله أن العمل الزمني والنجاح فيه ليس هدفا في حد ذاته، ولكن وسيله يستخدمها الله للنمو الروحي، كما في إيصال محبته إلي دوائر بعيده عن مجالات الخدمة الروحية التقليدية مثل الاجتماعات والكنائس.  لقد قابلت، من خلال العمل الزمني، أناسًا كثيرين، سواء من العاملين معي أو من العملاء أو الأجانب أو حتي غرباء أصادفهم في الطريق؛ فتح الرب الباب، دون افتعال، للحديث عن محبته وتقديم رسالة الخلاص.

وإن كان العمل الزمني في حياة المؤمن هو بحسب فكر الله، ومع كونه تكليفًا وتجنيدًا من الله، إلا انه لا يسلب المؤمن حريته في الاختيار؛ ومن ثَمَّ من نتائج اختياراته.  كما إنه لا يخلو من التحديات، فبقدر ما أعطيت الله أوعية فارغه بقدر ما ملأها.  قد يحاول البعض، ممن نتعامل معهم، استغلال ”مسيحيتك“ للوصول إلي أهدافهم؛ ولكن ثق أن الله يجعل كل الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبون الله، وأنه يكرم الذين يكرمونه.

قد لا يفهمك البعض ولا يتفق معك الكثيرون - ولا بد أن يكون - أو قد تقابل من يحاول النيل منك أو التهرب من مسؤولياتهم؛ ولكن تمسكك بطاعة الرب، ونظرك إليه، بل وكثرة الجلوس بين يديه، سوف يعطيك الحكمة لتراه يُخرج مثل النور برك وحقك مثل الظهيره .

ونصيحتي للشباب المزمع أن يبدأ حياته العملية، أقول له:

1. لا تخف من أي وضع اقتصادي نعيش فيه، فقط اتكل على الرب، فهو له في الموت مخارج، وهو قادر أن يُنجح عملك وسط أصعب الظروف.
2. لا تتخيل المستقبل، ولا تعِش فيه؛ فالمستقبل يعرفه الرب، وقد يكون رسم لك مستقبلاً لا يخطر لك على بال.  فقط اجتهد في مواجهة الحاضر بالجهاد في الصلاة، وبالدخول في أي باب عمل يفتحه لك الرب، والاجتهاد فيه.  ثم اتكل على الرب بكل قلبك، وعلى فهمك لا تعتمد.  انزع عنك أي كبرياء يجعلك تري نفسك ولا تتكل على الرب.
3. استقبل كل المصاعب من الناس، أو حتى من الشيطان، على أنها وسائل يريد الرب أن يعلِّمك من خلالها، ويُعِدَّك بها لوضع أفضل!  فكُن في وسط المصاعب مع الرب، وعند قدميه، لكي تتعلم الدرس الذي يقصده لك من ورائها.

م| وليام فهيم.  شركة BCS للتجهيزات الفندقية

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com