عدد رقم 3 لسنة 2011
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
جدعون تساؤلات منطقية وإجابات كتابية  

تناولنا في حلقتين سابقتين بعض اللمحات التمهيدية لحياة جدعون باعتباره "شاب صغير" دُعي من الله "لعمل كبير" في أيام عصيبة روحيًا وأدبيًا وقوميًا في تاريخ شعب الله، ورأينا كذلك كيف يستخدم الرب الأصغر والأضعف، فليس عند الرب مانع في أن يُخلِّص بالكثير أو بالقليل (1صم14: 6).

وفي هذا العدد نتناول: 

حيرة جدعون مما يحدث للشعب في مقابل تاريخه المجيد

«فَظَهَرَ لَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ وَقَالَ لَهُ: الرَّبُّ مَعَكَ يَا جَبَّارَ الْبَأْسِ. فَقَالَ لَهُ جِدْعُونُ: أَسْأَلُكَ يَا سَيِّدِي، إِذَا كَانَ الرَّبُّ مَعَنَا فَلِمَاذَا أَصَابَتْنَا كُلُّ هذِهِ؟ وَأَيْنَ كُلُّ عَجَائِبِهِ الَّتِي أَخْبَرَنَا بِهَا آبَاؤُنَا قَائِلِينَ: أَلَمْ يُصْعِدْنَا الرَّبُّ مِنْ مِصْرَ؟ وَالآنَ قَدْ رَفَضَنَا الرَّبُّ وَجَعَلَنَا فِي كَفِّ مِدْيَانَ. فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ الرَّبُّ وَقَالَ: اذْهَبْ بِقُوَّتِكَ هذِهِ وَخَلِّصْ إِسْرَائِيلَ مِنْ كَفِّ مِدْيَانَ. أَمَا أَرْسَلْتُكَ؟» (قض6: 12-14).

حيرة وتساؤلات

تساؤل منطقي! إذا كان الرب معنا فلماذا أصابتنا كل هذه؟ ونلاحظ أن ملاك الرب لم يقل له: ”الرب معكم“ بل «الرب معك».  فالرب «مع الذين قلوبهم كاملة نحوه» (2أخ16: 9).  على أن الجميل أن جدعون، رغم حالة قلبه السرية التي أدخلت السرور إلى قلب الرب، لم يفصل نفسه عن شعب الله وهو في أحط وأردإ حالاته.  هكذا يفعل الأفاضل دائمًا (أنظر عز9، نح9، دا9، إر14..) فهل نفعل ذلك أنا وأنت أيضًا؟

لقد كان إسرائيل هو شعب الله قديمًا، وقد أصعدهم الرب من مصر وصنع معهم عجائب لا تُحصى.  إلا أن نفس هذا الشعب تحوَّل قلبيًا عن الرب، وصار يعبد الأوثان المرة تلو الأخرى، الأمر الذي استلزم قضاء الرب عليهم ممثلاً في الشعوب الكنعانية التي حولهم، والتي هي أصلاً شريرة.  وبعد أيام القضاة بنحو خمسة قرون تساءل حبقوق مُتحيرًا: لماذا يا رب هيَّجت علينا الكلدانيين: ”الأمة المرة القاحمة“؟ نعم نحن نستحق – كشعبك – القضاء، لكن لماذا تأتي بمن هم أشر منا ليؤدبونا؟

والواقع أن تساؤل جدعون ومن بعده حبقوق هو تساؤل الكثيرين بيننا في بلادنا اليوم: لماذا يلاقي "الشعب المسيحي" ما يلاقيه اليوم؟ والعجيب أن الأصوات العالية بيننا كمسيحين - أقصد مؤمنين وغير مؤمنين – تدخل في تحليلات وتعليلات تتناول الثورة والسياسة والتيارات المتطرفة والاستقواء بالخارج و... إلخ، بل وتتناول أهمية الصراخ إلى الرب لينقذنا ويحمينا وينجدنا... إلخ.  ومع كل التقدير للصلاة وأهميتها بل ولزومها العاجل الآن، إلا أنه ما أقل التفسيرات المنطقية العاقلة التي ترى ما يحدث في حجمه الطبيعي وصورته الفعلية أن الرب غاضبٌ علينا كمسيحيين في مصر وغير راضٍ على أوضاعنا.  وهذا ما قاله النبي في المزمور: «لأنك جربتنا يا الله.  محصتنا كمحص الفضة ... جعلت ضغطًا على متوننا.  ركَّبت أناسًا على رؤوسنا.  دخلنا في النار والماء» (مز10:66 – 12). 

لقد جاءت إجابة الرب لحبقوق من خلال كلمته النبوية واضحة، فالرب يريد من شعبه أن يستفيق من الوثنية التي غرقوا فيها، ويتحوَّلوا رجوعًا إليه من القلب فيخلصهم.  لقد فهم حبقوق الهدف من المعاملات الإلهية الضاغطة على شعبه فقال: «أَلَسْتَ أَنْتَ مُنْذُ الأَزَلِ يَا رَبُّ إِلهِي قُدُّوسِي؟ لاَ نَمُوتُ. يَا رَبُّ لِلْحُكْمِ جَعَلْتَهَا، وَيَا صَخْرُ لِلتَّأْدِيبِ أَسَّسْتَهَا» (حب1: 12).  أما الكلدانيون – عصا التأديب الذين استخدمهم الرب مع شعبه – فبعد انتهاء مهمتهم سيتولَّى الرب القضاء المريع عليهم.    أليس هذا صحيحًا لما يجري معنا وفي وسطنا اليوم؟ إنها حكومة الله البارة التي لا تتهاون مع الشر ولا بد أن تتعقب الشرير ولو بعد سنوات.  يقول الرسول بطرس: «الوقت لابتداء القضاء من بيت الله.  فإن كان أولاً منا، فما هي نهاية الذين لا يطيعون إنجيل الله؟ وإن كان البار بالجهد يخلص، فالفاجر والخاطئ أين يظهران؟» (1بط 17:4، 18 ).

لقد قال الرب قديمًا عن شعبه: «لَوْ سَمِعَ لِي شَعْبِي، وَسَلَكَ إِسْرَائِيلُ فِي طُرُقِي، سَرِيعًا كُنْتُ أُخْضِعُ أَعْدَاءَهُمْ، وَعَلَى مُضَايِقِيهِمْ كُنْتُ أَرُدُّ يَدِي» (مز13:81،14).

أحبائي الشباب: مكتوب «إذا أرضت الرب طرق إنسان جعل أعداءه أيضًا يسالمونه» (أم16: 7)، ويقينًا أن طرقنا كمسيحيين اليوم – بل ومنذ زمن طويل – غير مرضية أمام الرب، لا في التعاليم الوثنية أو التقاليد اليهودية داخل المسيحية، والمبادئ العالمية وكرسي الشيطان داخل الكنيسة (قابل رؤ2: 13)، ولا في السلوكيات المشينة على كل المستويات بكل أسف.  إن حال المسيحية في مصر – ومنذ وقت بعيد – يدعو الأتقياء إلى الرثاء بل والبكاء.  ياليتنا قبل أن نصلي مستنجدين بالرب إزاء أعدائنا والمتربصين بنا - نصلي لأن يرحمنا الرب فعلاً ونتوب بقلوبنا ونرجع إلى الرب ضاربنا ليشفينا أفرادًا وبيوتًا وكنائس، ويا ليت سعينا يكون – أول ما يكون- وفق رضاه هو له المجد.  وياليت خدمتنا وسط "الشعب المسيحي" – إن جاز التعبير - تركز في هذه الأيام على نقطة محددة: وهي أن الرب قد صبر على المسيحيين كثيرًا، لكن المسيحيين تحوَّلوا عنه عبر السنين الطويلة رويدًا رويدًا، تارة بالارتداد وتارة بالفساد، وتارة بالتعاليم الغريبة بل والوثنية داخل المسيحية، التي يُنادَى بها من على منابر كنائس تمثل الغالبية والأكثرية لمن يُدعَون مسيحيين في مصر.  واليوم، الرب من مطلق محبته لنا وقبل غلق الباب نهائيًا على المسيحية الاسمية عند مجيئه لاختطاف القديسين، عندما يأتي العريس، والمستعدات (المؤمنون الحقيقيون) يدخلن معه إلى العرس، ويُغلق الباب (نهائياً) في وجه العذارى الجاهلات (مت25: 1-13).  نعم نقول الرب في مطلق محبته يضغط علينا - كمسيحيين في مصر - بصورة كبيرة وبأشكال متنوعة ليُحوِّل قلوب الكثيرين رجوعًا إليه من فساد التعاليم والسلوكيات إلى الخلاص الأبدي في المسيح يسوع.

ياليت صلواتنا - أعزائي الشباب - لا تقتصر على طلب الحماية والنجدة من الرب، فهو «الَّذِي نَجَّانَا مِنْ مَوْتٍ مِثْلِ هذَا، وَهُوَ يُنَجِّي. الَّذِي لَنَا رَجَاءٌ فِيهِ أَنَّهُ سَيُنَجِّي أَيْضًا فِيمَا بَعْدُ» (2كو1: 10)، وذلك يسير في عينيه، بل ياليتنا مع ذلك، وقبل ذلك، نطلب بانكسار واتضاع وتضرع لأجل إخوتنا وأنسبائنا حسب الجسد، النفوس الغالية التي دُعي عليها اسم المسيح لتوبتهم وبركتهم الأبدية.

وياليت مسعانا في هذه الأيام العصيبة والأخيرة يكون مُزيِّنًا لتعاليم مخلصنا الله، بالتقوى والقداسة فنجذب البعيدين إلى الرب، ونكون دائمًا مستعدين، وبالأخص من جهة الذين هم من خارج، «لمجاوبة كل من يسألنا عن سبب الرجاء الذي فينا بوداعة وخوف» (1بط3: 15).  بل وياليتنا نتشجع أكثر وأكثر في مناخ الحرية المتاح أمامنا اليوم لنخدم الرب أكثر ونشهد عنه بجرأة لا تخلو من حكمة.

نعم صدقت في حيرتك، وأصبت في تساؤلاتك يا جدعون، ولكن اعلم - ونحن معك - أن إلهنا حكيمٌ لا يُخطئ قط، وأن معاملاته كلها هي معاملات المحبة والصلاح، وهو يضغط لنتوب، يؤدب لنرجع، يُضيِّق لنشعر، ويسحق ليشفي.  له كل المجد.                                                                                                                     

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com