عدد رقم 1 لسنة 2007
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الممارسات الروحية والممارسات الدينية  

الممارسات الدينية

الدين هو واحد من أقوى الغرائز داخل الإنسان، وهو مبدأ متأصِّل في كيانه.  والدين له ممارساته الدينية المتكرِّرة سواء فردية أو جماعية، والشخص الذي يواظب على هذه الممارسات يسمّى إنسان متديّن.

هذه الممارسات هي الشعائر والطقوس المنتظمة المتكرِّرة، التي يقدِّم فيها الإنسان لله ما يظن أنه صحيح ومرضي عنده، وأن الله يطلبه منه بهذه الصورة، ولأنه يتعامل مع الله عن بُعد، فهذا كاف بالنسبة له في علاقته معه، فهو بهذا يرضيه ويتجنب غضبه.

ليس مهمًّا بالنسبة للمتدين إن كان يفعل ما يفعل وهو واعٍ به أم لا، أو واعٍ بقيمة ما يفعل، ولا يفحص هل الله راضٍ عن هذا فعلاً ويطلبه أم لا؛ المهم أنه هو يفعل ذلك وهو راضٍ بما يفعل.

هذه الممارسات قد تكون ممارسات لأمور في ذاتها صحيحة: صلوات، أصوام، اجتماعات، خدمة، أنشطة... الخ.  لكنها نابعة من دوافع خاطئة، وتؤدَّي بطرق ميتة، ولا تعود على من يؤديها إلا بأوهام الراحة، وربما الانتماء إلى أجواء الأسرار والغموض.

هي ممارسات تؤدَّي في قوالب جامدة، لكل الناس على السواء، لا يُراعى فيها اختلافات شخص عن الآخر، ليس فيها شيء من المرونة.  المهم أنها تؤدَّى بانتظام وبنفس الشكل المتكرر.

هي التزام تجاه الله أخذه الإنسان على عاتقه في أي دين، ويتنافس في طريق الوفاء به والتقدّم فيه، فهكذا قال الرسول بولس عن نفسه وهو يمارس شعائر اليهودية «وكنت أتقدّم في الديانة اليهودية على كثيرين من أترابي في جنسي» (غل 1 :14).  الإنسان الطبيعي المتدين هو أسير هذه الممارسات.

ولكن الانتظام في ممارسة هذه الشعائر الدينية له عائد نفسي على الشخص الذي يمارسها: يشعر بالرضا عن النفس، والوفاء بالتزاماته تجاه الله، هو دائمًا يفكِّر في نفسه ومن تجاه الله، وماذا يقدِّم له، متوهِّمًا أن الله يرضى عنه نتيجة إنتاجه ومجهوداته وممارساته المتكرِّرة، التي عندما يقوم بها يملأه شعور بالكبرياء والترفع على الآخرين.  والنموذج الواضح لها هو الفريسي الذي وقف في الهيكل رافعًا رأسه لله بكل جرأة قائلاً «اللهم أشكرك أني لست مثل باقي الناس الخاطفين الظالمين الزناة...» (لو 18 :10-12).

وعندما يقصِّر في القيام بها، يشعر بالخوف من غضب الله عليه، فهي لا تجلب السلام، إنها ممارسات جوفاء ميتة ليس فيها حياة، ليس فيها حرية، بل موت وعبودية.

وللأسف الشديد أن كثيرين من الذين يمارسون العبادة في الأجواء المسيحية التقليدية يعيشون في هذا الجو الخانق الذي يحول دون المعرفة الحقيقية بالله، ربما منهم مولودين من الله لكنهم لا يعرفونه على حقيقته، ولا يمارسون علاقة صحيحة معه أو يستمتعوا به كإله مُحب.

إنها ممارسات لا تُخلِّص خاطئ ولا تبني مؤمن.  والذين يعيشون فيها لن تُفتح أعينهم على حقيقة ذواتهم، ولا على النعمة الموجودة في قلب الله من نحوهم.  إنها مهما تكرّرت ليس فيها إشباع لرغبات الطبيعة الجديدة، بالنسبة للمؤمن، ولا شعور بمتعة ولذة الاقتراب إلى الله.  ربما فيها ما ينعش العواطف في جو الهستيريا الجماعية، وما يشبع الذات ويُغذي غريزة الانتماء لهذا الجو.  وهذا يمكن أن يحدث في أجواء ملاعب الكرة والحفلات الغنائية وخلافه.

الممارسات الروحية

كما أن للدين ممارساته التي يقوم بها المتدين، فالحياة المسيحية الحقيقية فيها أيضًا ممارسات روحية صحيحة وهامة منتظمة ومتكرِّرة يقوم بها المؤمنون الحقيقيون سواء أفردًا أو جماعة، بل قد تصل بعض الممارسات إلى شكل العادة الثابتة.  وهذا ما قيل عن الرب نفسه «دخل المجمع حسب عادته يوم السبت» (لو 4 :16)، وأيضًا «كانوا يواظبون على تعليم الرسل والشركة وكسر الخبز والصلوات» (أع 2 :42).  فوجود ممارسات جماعية منتظمة كان جزءًا من طابع الكنيسة المميِّز لها بصفة دائمة، فهناك اجتماعات منتظمة، وفرص تعليمية منتظمة، وكان أيضًا كسر الخبز يُمارس بانتظام.

هذه الممارسات نابعة من علاقة روحية صحيحة مع الله، ومن واقع روحي واتصال مستمر به.  فيها إدراك لعظم محبته المتجهة لأولئك الذين يمارسونها، إنها صدى ورَدّ فعل نابع من شعور عميق بهذه المحبة.  فهي تربط النفس بإلهها أكثر، وتجعل الشخص لا يرغب أن يفارق محضره أو الحديث معه وعنه أو خدمته.

ليس لاتقاء غضبه، أو استجداء رضاه، بل نتيجة شعور برضاه الدائم على شخص لا يستحق.

ممارسات تؤدَّى بوعي وإدراك كامل لما يفعله الشخص، لها أساس في كلمة الله.  هم يدركون أن «الآب طالب» لكن ليس طالبًا أشياء تُعمل بمواصفات معيَّنة وطرق جامدة، لكنه طالب أُناس يقتربون منه بدالة البنين مقدَّرين عظمة شخصه وعمله، تلك الدالة التي ينشئها فيهم الروح القدس (يو 4 :23، 24).

هذه الممارسات فيها التزام وتؤدّيها الجماعة بمتعة وسرور دائم متجدد، وفيها شعور بفيض النعمة الذي جعل المؤمن أهلاً للاقتراب إلى الله.  فيها إدراك لمن هو الله في نعمته، ومن هو الإنسان في عدم استحقاقه.

ويصاحب الممارسة غمر الشعور بالسلام الإلهي، ومزيج من الشعور بالارتفاع والصغر الشديدين.  كل واحد من الجماعة يقترب حسب تركيبه وأحاسيسه ليمارس علاقة حية مع إله حي.  والمؤمن الحقيقي الذي عرف الحق الذي يحرِّر، لا يقنَع بأقل من الحياة في الحرية، التي تجعله منطلقًا في علاقته مع الله وبقية المؤمنين.

ويمكننا أن نجمل الاختلافات بين الممارسات الدينية والممارسات الروحية في الجدول الأتي:-

 المارسات الدينية الممارسات الروحية

  1.  أشياء صحيحة في حد ذاتها: صلوات، أصوم، اجتماعات، خدمة... الخ، لكنها تُمارس بدوافع خاطئة و بطريقة خاطئة. ممارسات لنفس الأشياء لكنها تُمارس بدوافع صحيحة وبطريقة صحيحة.
  2.  طقوس و شعائر دينية متكررة يقدِّم فيها الإنسان أشياء لله في قوالب جامدة لكل الناس علي السواء. ممارسات منظَّمة متكرِّرة يتلامس فيها المؤمن مع الله، ويتمتع فيها كل مؤمن حسب تركيبته.
  3.  يمارسها الإنسان المتدين في أي دين، وأيضًا في الأوساط المسيحية. يمارسها المؤمن الحقيقي، الذي تملّكه الحق الإلهي وحرره.
  4.  الدافع لها هو الغريزة الدينية الموجودة في كل إنسان. الدافع لها هو أشواق الطبيعة الجديدة في المؤمن.
  5.  مسؤولية أخذها الإنسان علي عاتقه لمحاولة إرضاء الله. امتياز للمؤمن الذي يعلم أن الله راضيًا عليه في المسيح، للتمتع به وللبنيان.
  6.  ليس مهم لمن يمارسها أن يكون واعيًا بما يفعل أو بفائدتها، لكنه يتوهم أن الله راضيًا هكذا.  المهم أن يفعل. تمارس بكامل الوعي والإدراك الروحي والذهني.
  7.  تؤدي إلي: رضا الشخص عن نفسه، إرضاء ضميره أنه أدّي ما عليه.  وإلى مشغولية  بنفسه، لكنه لا يري نفسه علي حقيقتها. تؤدي إلي إشباع القلب، وسرور المؤمن بالرب ووجوده في محضره ومشغوليته بالنعمة التي أتت به إلي هذا المكان.
  8.  لها عائد نفسي لأنها ترضي كبرياء الإنسان وثقته في نفسه وترفعه عن الآخرين، والسرور الوهمي والهستريا الجماعية. لها عائد روحي، تبني المؤمن، وتقوده للإتضاع، تزيد إدراكه للنفس ومعرفته بالله.
  9. تتسم بالعبودية أثناء ممارستها وجو الخوف وعدم السلام. تتسم بالحرية الكاملة للطبيعة الجديدة، لكل مؤمن حسب اختباره.
  10. لا تخلِّص خاطئ ولا تبني مؤمن. تبني المؤمن وتؤكد يقينية خلاصه.
  11. لا تحتاج إلي مواصفات أدبية أو روحية للإنسان الذي يمارسها، بل أمور شكلية. تحتاج إلي قامة روحية لكي تمارَس بطريقة صحيحة.
  12. ليس لمن يمارسها أي حساسية تجاه الخطية. حساسة جدًا لكل ما يتعارض مع القداسة.
  13. الكتاب المقدس يدينها ويرفض أن تكون وسيلة إرضاء الله أو التعامل معه. الكتاب المقدس يصفها ويشجع عليها كوسائل تعامل مع الله.
  14. لا تحتاج إلي قوة الروح القدس، بل يمارسها أي إنسان خاطئ. لا بديل عن قوة الروح القدس لتكون صحيحة.
  15. الله يبغضها لأنها تفصل الإنسان عنه، والشيطان يشجع عليها، لأنه يريد أن يحتفظ بالإنسان بعيدًا عن الله. الله يُسرّ بها، فهي تربط المؤمن أكثر به والشيطان يقف ضدها بكل قوته.
  16. مهما تحسنت أو كثُرت لا يمكن أن تتحول إلي ممارسات روحية، لأنها ممارسات ميتة ليس فيها حياة. إذا فقد المؤمن الذي يمارسها روحانيته، أو أصبح شخص عالمي، وأسير الغريزة الدينية، سوف تتحول إلي ممارسات دينية شكلية فقط.

هل يمكن أن تتحول الممارسات الروحية الصحيحة إلى ممارسات دينية؟
كثير من المؤمنين الحقيقيين، وللأسف الشديد، في الأوساط المستنيرة، بعد أن بدأوا تعاملهم مع الرب بطريقة روحية صحيحة وبانطلاقة، تتحول ممارساتهم بالتدريج إلى روتين طقسي، وإذا استمروا فلن تكون أكثر من ممارسات دينية ميتة والعودة إلى جو العبودية وجزء من هذا ما رفضه الرسول بولس ووبخ مؤمني غلاطية عليه «أيها الغلاطيون الأغبياء... أ بعدما ابتدأتم بالروح تكملون الآن بالجسد» (غلا 3 :1، 3).  كان ما حاوله الغلاطيون هو العودة للناموس، أما المسيحي، فإنه لم يعد للناموس حرفيًا، لكنه قد يحوِّل ممارساته المسيحية إلى شعائر وطقوس دينية جوفاء، ومن ضمن الأسباب التي تؤدي إلى ذلك:

  • عدم التحرر من قوة الغريزة الدينية في نفسه؛ فالممارسات الدينية أسهل وأقرب للإنسان من الممارسات الروحية، لأنها تجعل الإنسان كبيرًا في عيني نفسه.  وذلك نتيجة عدم بذل المجهود الكافي للاستمتاع بالحق الذي يحرر «تعرفون الحق والحق يحرركم» (يو 8 :32).  فإن ممارسة الحق والعيش فيه هو الوسيلة الوحيدة التي تحرِّر الإنسان من قبضة هذه الغريزة عندما تقتنصه.
  • إذا كان المؤمن قد فهم الحق ذهنيًا فقط كعقائد، ولكنه لم يتحرّر قلبيًا، ربما لا يرتد إلى الطقوس، لكنه سيحوِّل ممارساته إلى طقوس دينية.
  • إذا كان هذا هو الجو العام حوله، وما يهمه أن يجاري هذا الجو فيمارس ما يمارسه الآخرين بنفس الطريقة، ويعيشوا معًا في نفس القالب الجامد.
  • إذا فقد الشخص روحانيته، ورضي وقنع بما هو فيه من وضع روحي، فليس في طاقته الممارسات الروحية الصحيحة، ومن الجانب الآخر لا يستطيع أن يعيش بدون ممارسة، عندئذ تحويل الممارسات الصحيحة إلى طقس سيكون هو ملاذه.

هل يمكن أن يحدث هذا بين جماعة الإخوة؟

الطبيعي أن جماعة الإخوة هم أفراد اقتنعوا بما في كلمة الله، فانفصلوا عن الأشكال الطائفية الممتلئة بالممارسات الدينية، لكي يمارسوا ما تُعلّمه لهم الكلمة، وتمسكوا بالمواظبة على هذه الممارسات الروحية الراقية.  ونشكر الرب جدًا لأجل ذلك، فهم يرغبون الاستمرار في المواظبة على كسر الخبز والصلوات وتعاليم الكتاب والشركة.  إنها ممارسات راقية رائعة في صورتها الحقيقية، مشبعة لقلب الرب ولقلب المؤمن وأيضًا تؤدّي لبنيان الكنيسة.
لكن هذه الممارسات، لكي تكون بصورة صحيحة، تحتاج إلى قدر عالٍ من الروحانية والتقوى في الأفراد، ونشاط الروح القدس في حياة الفرد والتدريب على صوته لقيادة الجماعة.  فهو الذي ينشئ الأشواق ويعطي الإدراك الواعي لكل جزء فيها، ويعطي دوافع نقية للحركة.  هو الذي يقود النفس في سجود من قلب فائض ممتلئ بالشعور بالنعمة الغنية «فاض قلبي بكلام صالح».  وهو الذي ينشئ صلوات تُرفع بلجاجة وبثقة وبإدراك أنها حسب مشيئته.  وفى الخدمة أيضًا هو الذي يعطي كلام لسداد إعواز المخدومين.

أما إذا فقدت الجماعة روحانيتها، وقلّت تقواها، وسادت فيها الروح العالمية، عندئذ ستفقد الجماعة نشاط الروح القدس العامل بفاعلية.  وتفقد سيطرة الحق على القلب، لكن ستظل المعرفة الذهنية متواجدة.  فعندئذ ماذا سيفعل الفرد، أو الجماعة، إذا كان هذا هو الطابع السائد بينهم؟

سوف يميل للحفاظ على الشكل الخارجي، والتمسك به لإرضاء ضميره من ناحية.  ولستره وستر الجماعة أمام الآخرين من ناحية أخرى.  وللإبقاء على دواعي الافتخار الكاذب.  والإصرار على عدم الاعتراف بما فيه.  وعندئذ سوف تتحول هذه الممارسات الكنسية الراقية إلى قوالب روتينية جامدة بلا حياة.  لها الشكل الخارجي لكن ليس فيها روح.  الذين يعيشون في هذا الجو هم يخدعون أنفسهم، ولا زالوا، مع كل هذا، يشعرون بالرضا والسرور بأنفسهم وبأنهم متمسكون بالحق الذي فرَّط فيه غيرهم.

نفس الممارسات الراقية المطلوبة، لكن بجمود وموت ودوافع مختلفة، ليس لها دوافع روحية، وليس لها عائد روحي.  لن تُبني الكنيسة حينئذ، ويفقد المؤمنون حساسيتهم في الممارسة.

لن تأخذ عبادتهم الشكل الطقسي الديني ظاهريًا، فلن يعودوا للطقوس، لكن ما يمارسونه نفسه سوف يتحول إلى طقوس، له الشكل الروحي، لكن ليس فيه القوة الروحية التي تعلمها كلمة الله.

إنها في حقيقتها نفس الممارسات الدينية التي لا تُرضي إلا الغريزة الدينية وتؤدي إلى الفخر والكبرياء.
حتى الصلوات سوف تتحول إلى كلمات متكررة على لسان كل واحد بشكل روتيني مملّ.  المهم أن الروتين يقول إن هناك اجتماع صلاة تتلى فيه الصلوات.

فرق كبير بين شخص يذهب إلى اجتماع كسر الخبز، ومحبة الرب عاملة في كيانه وقلبه منجذب إلى الرب الذي أحبه، وأشواق قلبه أن ينحصر ذهنه وقلبه فائضًا أمام هذا السيد المُحب.  وآخر يذهب إلى نفس الاجتماع ليمارس طقسًا دينيًا مفروضًا عليه، ومريحًا لضميره، فضميره يؤلمه إذا لم يذهب، وله مشغولية ذهنية فقط بالرب، أما قلبه فمبتعد بعيدًا.  وهكذا أيضًا فرق بين جماعة وجماعة.  هذه ممارسة روحية وتلك دينية.  هذا يحب الرب ويريد أن يسعده ولا يحتمل أن يُحرم من هذا الجو.  والآخر راضٍ عن نفسه بما فعل ولا يقبل التقصير فيه لإراحة ضميره.
أكثر ما أخشاه أننا إذا فحصنا ممارساتنا كجماعة إخوة، نجد أن كثيرين منا يمارسون شعائر دينية فقط والحجم الروحي ضئيل جدًا.

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com