عدد رقم 2 لسنة 2010
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
وكانوا يطلبون أن يصير النهار (2)   من سلسلة: الأيام الأخيرة
               لا زلنا نتحدَّث عن طابع الأيام الأخيرة، وحالة الكنيسة وشهادتها للمسيح على الأرض في هذه الأيام التي يسود فيها الضعف والفشل.  وقد رأينا أن الله في أمانته يُبقي لنفسه بقيَّة تُمثِّل الشهادة الجماعية له في كل عصر، وسيظل هو «في وسطها فلن تتزعزع»، يُعينُ ضَعفَ شعبه ويدفعُ الخطر حتى النهاية.  عيناه تجولان في كل الأرض ليتشدَّد مع الذين قلوبُهم كاملةٌ نحوه.  إنه يُقَدِّر كلَّ الصعوبات التي تتعرَّض لها شهادة الكنيسة في البحر العاصف، خاصةً في المرحلة الأخيرة من رحلتها الليليَّة في هذا العالم.  وهو يُشجِّع الأمناء بقوله: «ها أنا آتي سريعًا.  تمسَّكْ بما عندك لئلا يأخذَ أحدٌ إكليلَك» (رؤ11:3).

   وعندما نُلقي نظرةً سريعة على رحلة بولس في السفينة من قيصرية إلى روما، كما وردت في سفر أعمال الرسل أصحاح 27، نستطيع أن نجد في طيَّاتها مُشابهاتٍ كثيرة ومُثيرة مع رحلة الكنيسة على الأرض من بدايتها وحتى النهاية.  وكل مُحب للكلمة سيجد في هذه الرحلة دروسًا هامة تهدي خطواته في الطريق الصحيح.  ودون الدخول في التفاصيل نقول: إن السفينة تُمثِّل الكنيسة كشاهدة لله على الأرض ومُستودَع للحق الإلهي.  وعلى ذلك فإن انكسار السفينة في نهاية الرحلة يعني انهيار الشهادة المسيحية والارتداد عن الحق، وسيحدث ذلك بعد الاختطاف، عندما يتقيَّأ الرب المسيحية الاسمية من فمه (رؤ 16:3).  وبولس يُمثِّل صوت الله إلى الإنسان والتعليم الصحيح.  أما رُكَّاب السفينة فيُمثِّلون عائلة الإيمان، وقد نجوا جميعًا إلى البر بسلام.  وأخيرًا فإن الرياح التي تعرَّضتْ لها السفينة تُمثِّل هياج الشيطان ضد الشهادة محاولاً إعاقة تقدُّمِها أو تحطيمها.  وبصفة عامة فإن الرحلة كانت رحلة عذاب، وكان الأمل هو أنْ يصيرَ النهار، وهذا سيتحقَّق بمجيء الرب.
 
ولضيق المساحة سأكتفي بالإشارة إلى سبع لقطات في هذه الرحلة، خاصة من المشاهد الأخيرة فيها، تُرينا شكل الأمور في الأيام الأخيرة، وأسباب الفشل والانحدار، وخطورة التحوُّل عن الحق، ودور الأمناء للحفاظ على الشهادة، نوجز كل ذلك على النحو التالي:

1-       يُذكَر اسمان فقط من كل رُكَّاب السفينة البالغ عددهم 276 هما بولس وأرسترخس الذي معنى اسمه "خير حاكم".  وإن كان بولس يُمثِّل كلمة الله، فإن أرسترخس يُمثِّل الروح القدس، القائد والمُرشد، الذي كان معهم من البداية (ع2).  ولكن بالأسف لم يُسمَع لصوت بولس، إذ «كان قائد المئة ينقاد إلى رُبَّان السفينة وإلى صاحبها أكثر مما إلى قول بولس» (ع11).  كذلك لا نسمع شيئًا عن أرسترخس، أي لم يتنبَّه أحدٌ إلى وجوده.  وكما تحوَّل الناس عن كلمة الله، هكذا أهملوا الاعتماد على قيادة وإرشاد الروح القدس، ولم يحترموا وجوده، بل استبدلوه بالتنظيمات البشرية، وكان هذا هو سبب الفشل من البداية وإلى الآن.  وقد تكون النوايا حسنة وشكل الأمور جذَّاب، لكن لنحذر من استبدال قيادة الروح القدس للفرد أو الجماعة في العبادة أو الخدمة أو التدبير، بأيَّة أنظمة بشرية مهما كانت، فنحن لسنا أحكم من الروح القدس.  وما أخطر أن نفقد الاتصال المباشر بروح الله ونسير وراء الناس وقادة الأنظمة بحسب استحسانهم.

2-       قُرب نهاية الرحلة، «إذ كانوا يخافون أنْ يقعوا على مواضعَ صعبة، رموا من المُؤخَّر أربعَ مراسٍ، وكانوا يطلبون أنْ يصيرَ النهار» (ع29).  وهذا الجزء من الرحلة (ع27-37)، يُطابق عصر النهضة الكتابية (فيلادلفيا) في القرن التاسع عشر، حيث تميَّز المؤمنون بالمحبة الأخوية والأمانة للحق.  وفي عبارة «كانوا يخافون أنْ ...» نرى شعور الأتقياء بالضعف والمسكنة، حيث لم تكن لهم سوى «قوة يسيرة» (رؤ 8:3)، وقد بذلوا كل اجتهاد للحفاظ على سلامة ونجاح الشهادة.  وفي المراسي الأربع يمكن أن نرى ما أشار إليه يهوذا في رسالته، مُحرِّضًا المؤمنين على الاجتهاد في زمن الارتداد بالقول: «ابنوا أنفسَكم على إيمانكم الأقدس (كلمة الله)، مُصَلِّين في الروح القدس، واحفظوا أنفسَكم في محبة الله، مُنتظرين رحمةَ ربِّنا يسوع المسيح للحياة الأبدية» (يه 21،20).  وفوق كل هذا «كانوا يطلبون أنْ يصيرَ النهار»، أي أنهم كانوا يتعلَّقون بالرجاء الحي، وينتظرون من السماء مُخَلِّصًا ليُنهي ليلَ الاغتراب.  وهذا ما ينبغي أن نفعلَه نحن الآن لكي نظلَّ ساهرين، ونبذُلَ كلَّ اجتهاد لنحافظ على الشهادة إلى مجيء الرب.

3-       «كان النُّوتية يطلبون أنْ يهربوا من السفينة (الميئوس منها)، وأنزلوا القارب إلى البحر بعلَّة أنهم مزمعون أن يمدُّوا مراسي من المُقَدَّم» (ع30).  وهنا نرى رغبة البعض في الاستقلال عن جسم الشهادة الكنسية، كجسد المسيح الواحد على الأرض، باعتبارها فشلتْ ولا جدوى منها، والحل في نظرهم هو عمل شهادة مُستقلَّة، والانتماء إلى كيان آخر له الشكل الروحي المُبهر والجذَّاب، لكنه لا علاقة له بكنيسة الله.  ولكن بولس تصدَّى بقوة لهذه الفكرة ورفضها (ع31)، مما يعني التَّمَسُّك بالجسد الواحد للنهاية، حتى لو ضعُفَتْ الحالة الروحية للجماعة.  وفي كل العصور لم ينفصل رجال الله عن شعب الله، حتى وهو في أسوإ حالاته.  ونحن نتذكَّر موقف موسى من الشعب يوم عملوا العجل الذهبي.  كذلك موقف جدعون وصموئيل وداود وعزرا ونحميا وغيرهم، عندما كانت حالة الشعب رديئة للغاية.  وأيضًا نتذكَّر كيف وبَّخ الرب إيليا يوم فَصَلَ نفسه عن الشعب، واشتكى الشعب، قائلاً له: «ما لَكَ ههنا يا إيليا؟».
4-       «لما شبعوا من الطعام طفقوا يُخفِّفون السفينة طارحين الحنطة في البحر» (ع38).  وهنا نرى روح لاودكية، والتي ظهرت بعد فيلادلفيا، حيث القول: «أنا غنيٌّ وقد استغنيتُ، ولا حاجةَ لي إلى شيء» (رؤ 17:3).  إن الحنطة ترمز إلى شخص المسيح، طعام المؤمنين، ولكن  الناس في الأيام الأخيرة قد تحوَّلوا عن المسيح ورفضوا كلمة الله، واستثقلوا الحق وأرادوا تخفيف الأمور ليجتذبوا عددًا أكبر من الشباب بكل ما هو جديد وجذَّاب ومُمتع للجسد.  وبدلاً من إطعام الخراف انشغلوا بمداعبة الجداء.
 
5-       «نزعوا المراسي تاركين إيَّاها في البحر... ورفعوا قِلعًا للريح الهابة» (ع40).  وهنا نرى رفض وتحطيم ما عمله السابقون الأفاضل وجاهدوا لأجله، والرغبة في السير طبقًا لاتجاهات العصر، وتلبية رغبات الجماهير.  وما أخطر أن نسير حسب رغبات الناس.  فالناس في الأيام الأخيرة لا يحتملون التعليم الصحيح، بل يحبون الخرافات والموضوعات الاجتماعية والعلمية والفلسفية والنفسية والأسرية أكثر كثيرًا من الموضوعات الكتابية.  فهل من الأمانة للرب وللحق أننا نحن أيضًا نسير مع الريح الهابة؟

6-       «ارتكز المُقَدَّمُ ولبثَ لا يتحرَّك، وأما المُؤَخَّرُ فكان ينحلُّ من عنف الأمواج» (ع41).  وهنا نرى عناد وإصرار القادة والمُتقدِّمين في الأوساط الروحية على أفكارهم الخاصة، وتشدُّدَهم في أشياء ليست مع الحق، على الأقل في بعض الأمور، غير مُبالين بخطورة هذا الموقف وانعكاسه على مَنْ هم في المؤخرة، أي القطيع المسكين الذي يصطدم في هؤلاء المُتقدِّمين بالنظر لتغيير المواقف والأفكار.

7-       أخيرًا انكسرتْ السفينة، ولكن الجميع نجوا إلى البر بسلام.  البعض سبحوا، والآخرون تعلَّقوا بقطع وألواح من السفينة.  وهذا هو المشهد الأخير الذي يرينا ضعف وانهيار الشهادة، ووصول جميع المؤمنين بالنعمة إلى السماء. 
                                                                                                  
   أحبائي .. إن الكنيسة كمسؤولة عن الشهادة على الأرض تتعرَّض لكل أنواع الصعوبات والمُفشِّلات، والعدو يُشدِّد الهجوم ضدَّها خاصة في هذه الأيام الأخيرة، والخدام والقادة قد يغيبون عن الساحة.  ولكن الكنيسة ليست مرتبطة بأشخاص بل بالمسيح رأس الجسد المُرفَّع في المجد.  ونحن لا ينبغي أن نتعلَّق بأفراد ونسير وراءهم حتى لو كانوا بولس أو أبلُّوس.  إن بولس وهو يُودِّع المؤمنين في أفسس، عالمًا أنهم لن يروا وجهه في الجسد مرة أخرى، لم يستودعهم للرسل أو الخدام أو الأساقفة، بل «لله ولكلمة نعمته» (أع 32:20).  فهذه هي الثوابت التي لا تتغيَّر، عندما تسقط الأعمدة أو يغيب الخدام.

   إن شمس النعمة تُسرع إلى المغيب بعدما أضاءت طويلاً على هذا العالم.  لكنها إلى هذه اللحظة لا زالت تُرسل أشعتها وسط السحب القاتمة التي تُخيِّم على المشهد، وهذه الأشعة تصل إلى كل العالم.  وياله من تحذير لكل مُتهاون يرفض النعمة قبل أن يمضي النهار، ولا يُسمَع بعدُ صوتُ المزمار الذي يُعلن أسمى الأخبار عن خلاص الله لأردإ الأشرار.  قريبًا سيحلُّ الظلام عندما تنسحب الأنوار من سماء هذا العالم بعد الاختطاف، وينقطعُ الرجاء أمام كل الرافضين والمتهاونين، ولا يبقى لهم سوى الطرح في بحيرة النار وبئس القرار.  فهل تغتنم الفرصة، إذا كنتَ لا تزال تعيش في ظُلمة خطاياك، وتُسرع إلى المُخلِّص لتتمتع بكوكب الصبح المنير، قبل أنْ يُدركَكَ الليلُ الحالكُ المرير؟                                                        
                                                                                


© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com