عدد رقم 6 لسنة 2004
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
بريعة .. ودروس من الألم  
       [4] نتعلم اختباراً جديداً عن الله:  وهذا ما لمسه كل الأتقياء في كل العصور إذ تعلموا من خلال الآلام والتجارب أموراً عظيمة عن الله.  فمثلاً أيوب في نهاية التجربة اختبر قدرة الله العظيمة لذلك قال للرب: «قد علمت أنك تستطيع كل شيء، ولا يعسر عليك أمر .. بسمع الأذن قد سمعت عنك، والآن رأتك عيني».  ويوسف اختبر سلطان الله وحكمته العظيمة وتحقيق المواعيد إذ سمح له الرب بالآلام في البداية من حسد إخوته وإلقائه في البئر ثم بيعه إلى مصر وعمله كعبد في بيت فوطيفار ودخوله في السجن ولكن في الوقت المُحدَّد من قبل الله خرج من السجن وتسلَّط على كل أرض مصر.  وحزقيا الملك التقي اختبر استجابة الصلاة وأن إلهنا هو سامع الصلاة الذي إليه يأتي كل بشر، إذ عندما أتى سنحاريب بجيش عظيم لمحاربته، فتذلل حزقيا وانسحق وصلى للرب طالباً النجدة فاستجاب له الرب وأرسل ملاكاً وقتل مائة وخمس وثمانين ألفاً من جيش سنحاريب في ليلة واحدة، والرجال الثلاثة شدرخ  وميشخ  وعبدنغو اختبروا رفقة الرب معهم في الأتون المحمى سبعة أضعاف، واختبر دانيال حفظ الرب له الذي أرسل ملاكه وسد أفواه الأسود فلم تضره.  لذلك علينا دائماً أن نخضع للرب ونعلم أنه قادر أن يجعل كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله.
      [5] نلمس محبة إخوتنا لنا:  في الآلام والبلايا نلمس المحبة الحقيقية من الأتقياء، من إخوتنا أعضاء جسد المسيح.  لأنه «إن كان عضو واحد يتألم، فجميع الأعضاء تتألم معه.  وإن كان عضو واحد يُكْرَم، فجميع الأعضاء تفرح معه» (1كو12: 26) والتحريض لنا «فرحاً مع الفرحين وبكاء مع الباكين» (رومية12: 15) وهذا ما فعله الرب يسوع المسيح كالمثال الكامل إذ حضر عرس قانا الجليل كما شارك مرثا ومريم في أحزانهما عند موت لعازر إذ ذهب لبيت عنيا ولما رأى مريم تبكي واليهود الذين جاءوا معها يبكون انزعج بالروح واضطرب ثم يأتي هذا القول المؤثر: «بكى يسوع».
      وهناك الأمثلة الكثيرة لهذا الأمر في كلمة الله، فعندما سُبى لوط نجد إبراهيم رجل الله يجر غلمانه المتمرنين ولدان بيته ثلاث مئة وثمانية عشر ويذهب لإنقاذ لوط من السبي، وأيضاً أفرايم عندما قتل رجال جت بعضاً من أحفاده نجد إخوته أتوا ليعزوه (1أخ7: 22) وداود رجل الله عندما كان مطارداً من ابنه أبشالوم نجد ثلاثة أتقياء هم شوبي بن ناحاش وماكير بن عميئيل  وبرزلاي الجلعادي قدموا فرشاً وطسوساً وآنية خزف وحنطة وشعيراً وفريكاً وفولاً وعدساً وحمصاً مشوياً وعسلاً وزبدة وضأناً وجبن بقر لداود وللشعب الذي معه ليأكلوا لأنهم قالوا الشعب جوعان ومتعب وعطشان في البرية، لذلك هتف داود «الصديقون يكتنفونني، لأنك تُحْسن إلىَّ» (مز142: 7) وإرميا النبي عندما أُلقي في الجب في دار السجن وكان في الجب وَحَل فغاص إرميا في الوَحَل فلما سمع «عبد ملك الكوشي» ذهب وكلم الملك صدقيا فأخذ عبد ملك ثلاثين رجلاً وثياباً رثه وملابس بالية ودلاها إلى إرميا إلى الجب بحبال وأصعدوه من الجب فأنقذه من الموت، بحق إن الأخ للشدة يُولَد.  وعندما كان بطرس محروساً في السجن كانت الكنيسة تصير منها صلاة بلجاجة إلى الله من أجله والرب سمع واستجاب وأخرج بطرس من السجن وهكذا لمس بطرس محبة المؤمنين العملية (أع12: 5).  وعندما كان بولس  في لسترة رُجم من الأشرار وجروه خارج المدينة ظانين أنه قد مات ولكن إذ أحاط به التلاميذ قام ودخل المدينة (أع 14: 20) وبعد أن وصل بولس إلى رومية مقيداً رأى الإخوة فشكر الله وتشجع (أع 28: 15) وعندما كان بولس في رومية اختبر محبة أنيسيفورس التاعبة فلقد أراحه مراراً كثيرة ولم يخجل بسلسلته بل طلبه بأوفر اجتهاد (2تي1: 16) هذه هي المحبة العملية التي نلمسها من إخوتنا في أوقات الشدة والألم.  لذلك من جانبنا يجب أن نشارك إخوتنا المتألمين وذلك بالصلاة من أجلهم والسؤال عنهم والمشاركة في احتياجاتهم «اذكروا المقيدين كأنكم مقيدون معهم، والمُذَلَّين كأنكم أنتم أيضاً في الجسد» (عب3:13).
      [6] لتنقينا: من خلال الآلام يتكلم الله إلى الإنسان.  «لكن الله يتكلم مرة، وباثنتين لا يلاحظ الإنسان.  في حلم في رؤيا الليل، عند سقوط سبات على الناس، في النعاس على المضجع.  حينئذ يكشف آذان الناس ويختم على تأديبهم .. أيضاً يؤدب بالوجع على مضجعه، ومخاصمة عظامه دائمة» (أي33: 14-19) والآلام تقودنا للاتضاع كما هو مكتوب «يكتم الكبرياء عن الرجل» (أى33: 17).  لقد سمح الله لبولس الرسول بشوكة في الجسد.  وبنو إسرائيل بعد خروجهم من أرض مصر قصد الله أن يسيروا في البرية لمدة أربعين سنة لكي يعرف ما في قلوبهم ليكتشفوا رداءة الطبيعية الفاسدة التي صدر منها التذمر والأنين والشكوى.  «تتذكر كل الطريق التي فيها سار بك الرب إلهك هذه الأربعين سنة في القفر، لكي يُذلَّك ويُجرِّبك ليعرف ما في قلبك: أتحفظ وصاياه أم لا؟ فأذلَّك وأجاعك وأطعمك المن الذي لم تكن تعرفه» (تث 2:8،3) وقد تكون هذه الآلام نوع من التأديب لنا لكي نشترك في قداسته «لأننا لو كنا حكمنا على أنفسنا لما حُكِمَ علينا، ولكن إذ قد حُكِمَ علينا، نُؤدَّب من الرب لكي لا نُدان مع العالم» (1كو11: 31،32).  لذلك علينا دائماً أن نفحص أنفسنا باستمرار ونراجع حساباتنا هل هي صحيحة ولمجد الله أم لا وكل منا يصلي مع داود قائلاً: «اختبرني يا الله وأعرف قلبي.  امتحني وأعرف أفكاري.  وانظر إن كان فيَّ طريق باطل، واهدني طريقاً أبدياً» (مز139: 23،24). وإذا مرض أحد المؤمنين فليراجع نفسه، وإذا كان قد أخطأ «فليدعُ شيوخ الكنيسة فيصلوا عليه ويدهنوه بزيت باسم الرب، وصلاة الإيمان تشفى المريض، والرب يقيمه، وإن كان قد فعل خطية تُغْفَر له.  اعترفوا بعضكم لبعض بالزلات، وصلوا بعضكم لأجل بعض، لكي تشفوا» (يع 5: 14-16).
      [7] لكي نطلب المعونة من الرب:  في الآلام والتجارب يختبر الشخص عجزه وضعفه وأنه محدود جداً وغير قادر على الخلاص من هذه التجربة فيسرع للرب القوي القدير طالباً المعونة منه لذلك يقول المرنم: «معونتي من عند الرب، صانع السماوات والأرض» (مز 2:121) ويقول أيوب «في البلية ألا يستغيث عليها؟» (أى30: 24) أي عند حدوث بلية ألا نطلب المعونة والإغاثة من الرب.  لذلك لا تحاول في الآلام والتجارب اللجوء إلى الحلول البشرية، لكن اذهب للرب مباشرة وتحدث إليه وهذا ما فعله داود عندما ذهب إلى صقلغ وانقطعت شركته مع الرب فسمح له بالضيق إذ حرقت صقلغ بالنار وسبى العمالقة النساء والأولاد والبنات، والرجال الذين مع داود قالوا برجمه، فتضايق داود جداً لكنه تشدَّد بالرب إلهه وسأل الرب فاستجاب له وضرب العمالقة واسترجع داود كل ما فقده (1صم30).  وهذا أيضاً ما فعله آسا ملك يهوذا عندما خرج إليه زارح الكوشي بجيش ألف ألف وبمركبات ثلاث مئة فدعا آسا الرب إلهه واتكل عليه، فضرب الرب الكوشيين أمام آسا وأمام يهوذا (2أخ14) وكذلك حزقيا ملك يهوذا عندما أتى عليه سنحاريب ملك أشور بجيش عظيم لكن حزقيا الملك صلى وصرخ إلى السماء فأرسل الرب ملاكاً فأباد كل جبار بأس ورئيس وقائد في محلة ملك أشور (2أخ32) لذلك ما أحلى أن نلجأ للرب دائماً في ضيقتنا وآلامنا فنجد منه العون والنجاة والخلاص.
      أخي .. أختي .. أمام هذه الفوائد العظيمة من الآلام ليتنا نقبلها بشكر وصبر وتسليم كامل لإرادة الله ونقول: «صَمَتُّ لا أفتح فمي لأنك أنت فعلت»، لنحتمل التجربة بصبر وبتزكية حتى ننال إكليل الحياة ونثق أن الرب عندما يجرح فلا بد أن يعصب وعندما يسحق فلا بد أن يديه تشفيان، تشجع أخي المتألم والمجرب فالرب قريب منك ويشعر بآلامك فهو مُجَرَّب في كل شيء مثلنا بلا خطية لذلك يرثي لضعفك ويعينك «لأنه فيما قد تألم مجرباً يقدر أن يعين المجربين» (عب 18:2).
      وفي النهاية اعلم أن مجيئه صار قريباً جداً وعندما يأتي سينهي برية الآلام والأحزان ونتقابل معه في الهواء بفرح ويأخذنا إلى بيت الآب حيث يجلسنا على العروش ويلبسنا الأكاليل ويمسكنا القيثارات ونرنم ترنيمة جديدة ولا تنقطع أفراحنا معه في المجد.

    © جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
    للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com