عدد رقم 5 لسنة 2018
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الحرب مع مديان  

    لم يكن الشعب قد ارتاد أرض الموعد من قبل.  ولأنه لم يطأ هذه الأرض من قبل ولم ينتبه لخطورة الاندماج معهم، فقد ابتدأ يبتعد عن الرب ويعبد آلهة الأموريين الذين يسكنون وسطهم.  ولكن لأن تلك الخطية كانت بغيضة لدى الرب، وأيضًا لأن الذي يحبه الرب يؤدبه، لذلك سلَّط الرب عليهم المديانين.  هؤلاء المديانيون كانوا يهجمون على الأرض فيكنسونها  من خيراتها ولا يتركون لبني اسرائيل حتى قوت الحياة.  ما أسوأ ما وصلت إليه حالة شعب الرب! وما سبب وصولهم إلى هذه الحالة المُتردِّية؟ السبب أنهم لم يعيشوا بالأمانة من جهة إلههم ولم ينفصلوا عن العالم الحاضر الشرير.. سبع سنين من الذل! ولماذا سبع سنين كاملة؟ لماذا لم يصرخوا بعد سنة أو اثنتين؟ لماذا عانوا وقاسوا الجفاف والقحط لمدة سبع سنين قبل أن يتوجهوا بالصراخ إلى الرب؟ السبب الحقيقي هو أن الصراخ الذي يستمع إليه الرب هو صراخ الانكسار والاعتراف بالذنب وتمزيق القلب لا الثياب حزنًا على الخطية.  وهذا كثيرٌ جدًا وثقيلٌ على النفس البشرية.  لذلك قد يظل المؤمن يعاني ويطلب الخلاص من الضيق والألم، منتظرًا استجابة الرب، غير مُدركٍ أن الله أيضًا ينتظر عودته إليه بالحزن على الخطية والتوبة منها، ولن يخلصّه منها في حالة ما يكون المؤمن طالبًا فقط الخلاص من الضيق والألم، بينما لا يريد الاعتراف بالخطية.  ولكن عندما يصل المؤمن إلى نهايته مُدركًا فشله التام وعجزه الكامل، يبدأ في مراجعة نفسه، فتصطف خطاياه أمام عينيه، وعندها يقرع صدره حزنًا على خطاياه وندمًا عليها، وإذ يعود بتوبة حقيقية إلى الرب، يسمع الرب صراخه ويغفر الإثم ويصفح عن الذنب، ولا يحفظ إلى الأبد غضبه، فإنه إلهٌ يُسر بالرأفة.  لا تستطيع أخي المؤمن أن تطلب الخلاص من الضيق والتأديب وفي نفس الوقت تحتفظ بأمور العالم، فالله لا يمكن أبدًا أن يسمح للمؤمن أن يكون لديه نصيب آخر غير المسيح.  لن تحتفظ بالمسيح وفي نفس الوقت تحتفظ بأمور العالم.  المسيح الكل في الكل أو المسيح لاشيء على الإطلاق.

   سبع سنين والشعب تحت العبودية وتحت التأديب، وعندما صرخوا إلى الرب ليخلصهم لم يرسل إليهم في الحال مُخلصًا لينقذهم، وإنما أرسل إليهم رجلاً نبيًا ليخبرهم عن سبب تلك البلية التي هم يئنون من وطئتها.  فقال لهم: "هكذا قال الرب إله إسرائيل. إني أصعدتكم من مصر وأخرجتكم من بيت العبودية وأنقذتكم من يد المصريين ومن يد جميع مضايقيكم وطردتهم من أمامكم وأعطيتكم أرضهم وقلت لكم أنا الرب إلهكم. لا تخافوا آلهة الأموريين الذين أنتم ساكنون في أرضهم. ولم تسمعوا لصوتي" (قض6).

    هكذا فهموا وأدركوا سبب المصيبة التي حلَّت عليهم وبالتأكيد أدانوا أنفسهم، وهذا ما يفعله الرب معنا إذ يؤثر صوتُ الله على الضمير لكي يعرف المؤمن السبب الذي من أجله فقد الشركة الحلوة مع الرب ولماذا كان التأديب لازمًا.

  بعد ذلك جاء الرب نفسُه وجلس تحت البطمة التي في عفرة، حيث كان يعيش جدعون وحيث كان يخبط حنطة.  وعفرة تعني تراب، أي بمعنى أن الرب لا يستخدم إلا الشخص الذي اعترافاً بخطيته يضع وجهه في التراب، ويحني رأسه تعبيرًا عن انكسار قلبه حزنًا على خطيته وندمًا عليها.  هذا هو الذي ينال البركة ويسبب البركة لشعب الله.  "إلى هذا أنظر إلى المسكين والمنسحق الروح والمرتعد من كلامي" (إش66: 2).  أما المتجبّرون الذين يشعرون بالقوة في أنفسهم فليس لهم حظ في البركة ولا في استخدام الرب لهم.  وهل هناك جبابرة بين المؤمنين يشعرون بقوتهم الذاتية وإمكانياتهم الكبيرة؟ نعم للأسف وهم كثيرون جدًا.  حب التسلُّط والتمسك بالإرادة الذاتية وتحقيق المشيئة الشخصية، كلها عوامل تمنع البركة وتمنع استخدام الرب للمؤمن.  لذلك جاء الرب إلى شخص موجود في عفرة.  لجدعون الذي يمثل المؤمن المنكسر القلب والمنسحق الروح.  جاء إليه وقال له: "الرب معك يا جبّار البأس".  عجباً! جبار بأس؟ أين هو الجبروت وأين هو البأس؟ فهو لم يكن سوى رجلاً مسكينًا، نفسُه في التراب، يخبط بعض الحنطة ليهربها من المديانيين إلى إخوته.  لكن لنتذكر أن القمح يرمز إلى المسيح الممجد.  فمع أن جدعون كان في انحناءٍ شديد ونفسُه في التراب إلا أنه لم ينس أن يتغذى على المسيح ويشبع به.  وهكذا من هو مسكين في ذاته ولكنه يجد شِبعه وكفايته في المسيح، يأتي إليه المسيح شخصيًا ويستخدمه لبركة نفسه وبركة الآخرين.

   عندما قال له الرب: "الرب معك يا جبار البأس" أجابه  "إن كان الرب معنا.... "، ومن الواضح هنا أن جدعون لم يكن مشغولاً بنفسه قدر مشغوليته بإخوته كشعب الرب، وكأنه يقول له: أنا أعلم أنك معي شخصيًا، لكن إخوتي الغاليين على قلبي متروكين منك.  إن كان الرب معنا فلماذا أصابتنا كل هذه؟  فأجابه الرب "إذهب بقوتك هذه وخلّص إسرائيل".  ويتعجب جدعون من هذا الكلام فيقول"...عائلتي هي الذُّلَّى في منسّى وأنا الأصغر في بيت أبي".  هذا هو الشخص الذي يستخدمه الرب، الشخص المسكين المنحني إلى التراب الذي لا يستطيع أن يفتخر بأصله وعائلته الوضيعة والمتواضعة.  الرب لا ينتقي الآنية التي يستخدمها من عظماء هذا العالم ولا من نبلاء القوْم ذوي العائلات العريقة والمستوى الرفيع بين الناس، بل هو ينظر إلى المسكين والمنسحق الروح، وكأن الرب يقول له: لا يهم من أنت وما هي عائلتك ولا مقدار ضعفك، المهم أني أنا سأكون معك، وقوتي في الضعف تكمل (2كو12: 9).  لقد اخترتك يا جدعون لأنك ضعيف حتى تستند عليّ وحتى تظهر قوتي في ضعفك. أنا الذي سأرسلك وأنا الذي أكون معك.

   كان  جدعون ما زال متشككاً أن الرب نفسه يكلّمه فطلب علامة وقال للملاك: "..لا تبرح من هاهنا حتى آتي إليك وأخرج تقدمتي.."، وعندما تأكَّد أنه ملاك الرب قال: " آه يا سيدي الرب لأني قد رأيتُ ملاك الرب وجهاً لوجه".  غير أن الرب طمأنه قائلاً "السلام لك. لا تخف. لا تموت".  ففي الحال بنى مذبحًا للرب ودعاه "يهوه شلوم" أي "الرب سلامي".  والشخص غير المتمكن من سلام الله لا يستطيع التقدم للعمل بين شعب الله، لأن سلام الله هو أساس عملنا وخدمتنا بين شعب الله.

                                                                                         نبيه إسحاق

  

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com