عدد رقم 1 لسنة 2018
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الفرق بين العبادة في العهد القديم والجديد  


   العبادة هي كل ما يفعله القديس كمن هو عبد لله، وكل ما يُقدِّمه من خدمة وسجود في محضر الله، بكل حب وولاء وطاعة وتقوى، وبكل وعي وفهم وإدراك، شاعرًا بفضل النعمة التي تغمره، مُقدرًا نصيب الله وحقه عليه.

1-  (يو4: 19 – 24) في حديث الرب مع المرأة السامرية، بعد أن كشف لها أعماقها، وقدَّم لها نعمته، واجتذب قلبها بمحبته، قالت له المرأة: «يا سيد أرى أنك نبي! آباؤنا سجدوا في هذا الجبل، وأنتم تقولون إن في أورشليم الموضع الذي ينبغي أن يُسجَد فيه.  قال لها يسوع: يا امرأة صدقيني أنه تأتي ساعة، لا في هذا الجبل، ولا في أورشليم تسجدون للآب.  أنتم تسجدون لما لستم تعلمون، أما نحن فنسجد لما نعلم.  لأن الخلاص هو من اليهود.  ولكن تأتي ساعة، وهي الآن، حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق، لأن الآب طالب مثل هؤلاء الساجدين له.  الله روح.  والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا».

   وبهذه الكلمات أوضح الرب أن سجود السامريين لا بالروح ولا بالحق، لأنه لا يعتمد على إعلان من الله، بل يخالف الإعلان.  فكان الهيكل في أورشليم هو المكان الذي اختاره الرب ليضع اسمه فيه.  أما جبل جرزيم فليس له أساس في كلمة الله.  أما السجود اليهودي في أورشليم فلم يكن بالروح ولكنه كان بالحق، أي طبقًا للحق المعلن عندهم في وقتهم.  والله قد حدد ذلك بكل دقة ووضوح في أسفار موسى (في تفاصيل خيمة الاجتماع والذبائح والقرابين)، ولم يترك الأمور لاستحسان أحد من الشعب، حتى لو كان موسى نفسه أو هارون.  أما السجود المسيحي الذي أشار إليه الرب في حديثه مع السامرية فهو مختلف تمامًا عن السجود اليهودي.  فقد قال لها: «يا امرأة صدقيني (لأنك ستسمعين كلامًا لأول مرة يُنطق به على الأرض)، أنه تأتي ساعة، (وهي ساعة النعمة في التدبير الحاضر)، لا في هذا الجبل ولا في أورشليم (ولا في الأرض إطلاقًا، بل في السماء، في الأقداس السماوية الحقيقية)، تسجدون للآب (وليس ليهوه كما في العهد القديم)».  فالذي أعلن الآب هو الابن الوحيد الذي في حضن الآب، الذي أتى وخبَّر (يو1: 18).  إنه يُنحي النظام القديم، ويؤسس نظامًا جديدًا مختلفًا كُليةً عن نظام العهد القديم.  فالسجود اليهودي في العهد القديم كان سجودًا رمزيًا وجسديًا يعتمد على الحواس الطبيعية الإنسانية (النظر، السمع، اللمس، الشم، التذوق)، وليس سجودًا حقيقيًا وروحيًا في طبيعته.  وكان سجودًا أرضيًا، مرتبطًا بالهيكل الأرضي في أورشليم (الأقداس الأرضية وليس السماوية)، ومرتبطًا بالكهنوت الأرضي الهاروني، وليس الكهنوت المقدس (الذي يشمل جميع المؤمنين في التدبير الحاضر)، هذا الكهنوت الروحي يرتبط بالبيت الروحي (1بط2: 5)، الذي هو كنيسة الله على الأرض بعد يوم الخمسين، وليس موقعًا جغرافيًا على الأرض علينا أن نذهب إليه، بل «حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم» (مت18: 20).  كذلك السجود اليهودي كان يرتبط بالذبائح الحيوانية الرمزية، وليس الذبائح الروحية المقبولة عند الله بيسوع المسيح، كرئيس الكهنة العظيم الذي يمثلنا هناك في الأقداس السماوية.  وكان أيضًا (السجود اليهودي) سجودًا طقسيًا شكليًا خاليًا من الحياة.  وكان سجودًا ليهوه وليس للآب، فلم يكن الآب مُعلنًا في العهد القديم.  وكان يُؤدَّى بالجسد وليس بقوة الروح القدس، «لأن الروح القدس لم يكن قد أُعطي بعد، لأن يسوع لم يكن قد مُجِّد بعد» (يو7: 39).

   وبناء على ذلك فإن السجود المسيحي في تدبير النعمة الحاضر يُقدَّم للآب، فالآب طالب مثل هؤلاء الساجدين له (يو4: 23)، وهو الشيء الوحيد الذي يطلبه الآب.  وموضوع هذا السجود هو الابن في كل كمالاته وأمجاده، وهو ما يُشبع ويُسر قلب الآب الذي يحب الابن.  ويُقدَّم بقوة الروح القدس، وليس بطاقة أو نشاط جسدي.  وطابع هذا السجود المسيحي هو روحي، فالذبائح التي نقدمها هي ذبائح روحية.  لهذا فهو لا يعتمد على المؤثرات الحسية الجسدية أو النفسية، لأن الله روح.  وهو يتفق مع إدراك وفهم الساجد للإعلان في المكتوب.  فلا بد أن يكون ما يُقدَّم صحيحًا ومطابقًا للتعليم في العهد الجديد.  فالعبادة عقلية واعية مدركة فاهمة مُميِّزة، مطابقة لحالة الساجدين، وما يُنتجه الروح القدس فيهم من نبض وحب ورغبات ومشاعر مقدسة حقيقية وصادقة، متجددة ومتدفقة وفائضة، وليست جامدة وشكلية وروتينية.  «الله روح.  والذين يسجدون له فبالروح (الإنسانية) والحق (المُعلَن والمُدرَك) ينبغي أن يسجدوا» (يو4: 24).  فليس لانفعالات الجسد أو النفس مكان في هذا السجود الروحي.

   أخيرًا نقول إن الآب طالب، ليس سجودًا، حتى لو كان صحيحًا، بل ساجدين.  فحالة الساجد أهم من سجوده وما يُقدِّمه.  إن الآب ينظر إلى القلب ويقدر التقوى والمحبة والتكريس والبساطة والإخلاص، ويرفض العبادة الشكلية حتى لو كانت مُنمَّقة وتُعجب الحاضرين.  إننا لا نُقدِّم عبادتنا للناس بل لله، وليس الهدف إرضاء الناس بل أن نحظى بابتسامة الرضى والسرور من الآب، عندما نقدم ذبائحنا بخشوع وتقوى.

 

2-  (1بط2: 5): «كونوا أنتم أيضًا مبنيين – كحجارة حية – بيتًا روحيًا، كهنوتًا مقدسًا، لتقديم ذبائح روحية مقبولة عند الله بيسوع المسيح». 

   في العهد القديم، كان الهيكل الأرضي يضع فواصل ويمنع اقتراب الإنسان من الله.  فلم يكن مسموحًا لأحد من الشعب أن يدخل إلى القدس الأرضي، إلا الكهنة فقط، من نسل هارون الذكور.  ولم يكن مسموحًا لأحد من هؤلاء الكهنة أن يتخطى الحجاب، ويدخل إلى قدس الأقداس الأرضي، سوى لرئيس الكهنة فقط، مرة واحدة في السنة، في يوم الكفارة العظيم.  وليس بلا دم، بل يدخل إلى ما وراء الحجاب، حيث التابوت وسحابة المجد عليه، التي تمثل حضور الله رمزيًا فوق غطاء التابوت، بين الكروبيم، لكي يصنع الكفارة السنوية لكل الشعب.  وبالطبع كان الخوف والارتعاد العظيم يملأه في ذلك اليوم، لأنه سيدخل إلى محضر الله القدسي، ولو الرمزي.  ولم يكن عنده ذرة من الثقة والجرأة والسلام والفرح وهو يقترب من الأقداس الرمزية لئلا يموت.  وكان يدخل في ثياب كتان بيضاء نقية، وفي سحابة البخور العطر، ومعه دم ثور الخطية للتكفير عن نفسه وعن بيته، ويرش الدم مرة على غطاء التابوت، وسبع مرات أمام التابوت.  ثم يخرج ويدخل مرة أخرى بدم التيس الذي وقعت عليه القرعة للرب للتكفير عن خطايا وجهالات الشعب، ويعمل كما عمل بدم ثور الخطية، ثم يخرج.  ولا يكن إنسان في خيمة الاجتماع من وقت دخوله إلى وقت خروجه (لا16).  وهكذا يرضى الله على الشعب، ويسكن في وسطهم، دون أن يحمى غضبه عليهم، بواسطة دم الكفارة، لمدة سنة، ثم يتكرر العمل كل سنة في نفس ذلك اليوم، لأن دم ثيران وتيوس لا يمكن أن يرفع الخطايا (عب10: 4).

   أما الآن في تدبير النعمة الحاضر فالوضع كله مختلف تمامًا.  فالمسيح على الصليب صنع الكفارة بنفسه، وأكمل العمل على خير وجه، ووفَّى مطاليب الله العادلة، ومجده تمجيدًا كاملاً من جهة الخطية، وعوَّضه عن كل الإهانة التي لحقت به بسبب عصيان الإنسان، وستر الخطية عن وجهه إلى الأبد، وهو راضٍ تمامًا على ذبيحة المسيح وكفارته، وأمكنه أن يقدم نعمته للخطاة، ويمد يده بالمصالحة للعالم، ويقبل كل من يؤمن بالمسيح وصليبه ويمنحه الغفران والتبرير والقبول الأبدي.  لقد عمل هذا العمل مرة واحدة وهي كافية إلى الأبد ولا تتكرر.  وبعدما صنع بنفسه تطهيرًا لخطايانا جلس إلى الأبد في يمين العظمة في الأعالي (عب1: 3).  لقد دخل بدم نفسه مرة واحدة إلى الأقداس (السماوية الحقيقية وليس الأرضية الرمزية)، فوجد فداءً أبديًا (عب9: 12).  وبناء على ذلك منحنا حق الدخول إلى الأقداس الحقيقية السماوية حيث دخل هو كسابق لأجلنا.  والآن «لنا ثقة بالدخول إلى الأقداس بدم يسوع، طريقًا كرسه لنا حديثًا حيًا بالحجاب أي جسده» (عب10: 19، 20).  ونستطيع أن نتقدم إلى محضر الله بجرأة وثقة وسلام وفرح دون أدنى خوف.  «نتقدم بقلب صادق في يقين الإيمان» (عب10: 22).  «نتقدم بثقة إلى عرش النعمة لكي ننال رحمة ونجد نعمة عونًا في حينه» (عب4: 16).  وهكذا نرى أنه في العهد القديم، في ترتيب الخيمة، حيث يفصل الحجاب القدس عن قدس الأقداس، ويمنع الدخول إلى محضر الله، فإن «طريق الأقداس لم يُظهَر بعد، ما دام المسكن الأول له إقامة» (عب9: 8).  أما الآن بعد أن انشق الحجاب بموت المسيح على الصليب، فإن الصلح والسلام من جانب الله قد ظهر، وعليه فقد فُتح الطريق إلى الأقداس، وما عاد الله مُحتجبًا كما في العهد القديم.  إنه يقبلنا في ذات محضره كل حين، راضيًا عنا، ومرحبًا بنا في المسيح.

   وبعد أن صعد المسيح إلى المجد، وجلس في يمين العظمة في الأعالي، أرسل الروح القدس، ليُكوِّن الكنيسة على الأرض، ويسكن فيها باعتبارها بيت الله الروحي. 

   إن المؤمنين الآن في تدبير النعمة، هم الحجارة الحية التي تُكوِّن البيت الروحي (1بط2: 5) الذي يسكن فيه الروح القدس.  فلم يعد البيت من حجارة ميتة، ولم يعد مكانًا مُحددًا جغرافيًا كما في العهد القديم، بل مُكونًا من حجارة حية هم المؤمنون أنفسهم.  ليس أننا ندخل إلى البيت، بل إننا نحن البيت ذاته، «مسكنًا لله في الروح» (أف2: 22)، «وبيته نحن» (عب3: 6)، وياله من امتياز، يمنحنا القرب العجيب، ويختلف تمامًا عن العهد القديم!

   كان الكهنوت في العهد القديم محصورًا في سبط لاوي، وفي أولاد هارون، وبعيدًا عن هذا النسب لا يُعترَف به أنه من الكهنة.  وكان تقديس الكهنة يعتمد على الأمور الحسية الجسدية: يغتسل بماء ويرحض جسده بماء (حرفيًا)، يُرش عليه الدم (حرفيًا)، ويُدهن بزيت (حرفيًا).  أما الآن فنحن ننتسب إلى عائلة الله بالولادة من الله.  والتطهير والتقديس ورش الدم هو شيء روحي وليس حرفيًا، إنه يحدث نتيجة الإيمان بالمسيح وصليبه وسفك دمه.  والروح القدس (وليس الزيت الحرفي) يسكن في المؤمن ويقدسه، «لكم مسحة من القدوس» (1يو2: 20).

   قديمًا كان هناك رئيس كهنة وكهنة وشعب، أما الآن فلنا رئيس كهنة عظيم قد اجتاز السموات هو يسوع ابن الله، وهو جالس في يمين العظمة في الأعالي، وهو حي للأبد ولا يخلفه أحد.  ولا يوجد على الأرض إنسان يُسمَّى رئيس الكهنة.  كذلك لا توجد فئة اسمها الكهنة متميزة عن الشعب، بل جميع المؤمنين الحقيقين هم كهنة، يسجدون بأرواحهم في الأقداس السماوية، ويُقدمون ذبائحهم الروحية هناك من خلال رئيس الكهنة العظيم الذي يمثلنا، وهو الذي يجعل ذبائحنا مقبولة عند الله.  «يسوع المسيح .. الذي أحبنا وقد غسلنا من خطايانا بدمه، وجعلنا ملوكًا وكهنة لله أبيه» (رؤ1: 5، 6).  «كهنوتًا مقدسًا لتقديم ذبائح روحية ... بيسوع المسيح» (1بط2: 5)، و«كهنوت ملوكي ... لتخبروا بفضائل الذي دعاكم من الظلمة إلى نوره العجيب» (1بط2: 9).   

وللحديث بقية إذا شاء الرب

   

              

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com